الطائر المهاجر
16-09-2007, 02:53 AM
حميدان الشويعر .. شاعر علم . أشتهر في مجال السخرية والنقد .. ولاقت قصائدة انتشارا واسعا في المجتمع .. ولد في قرية القصب احدى قرى الوشم في نجد في حوالي سنة 1178هـ ومات فيها سنة 1251هـ على وجه التقريب ..
وأختلف كثيرا في نسبه فهنالك من يقول أنه ينتمي لعائلة "السياري" من قبيلة بني خالد واسمه حمد بن سعود السياري وقيل حمد بن ناصر السياري وما اسم حميدان الا تصغير لحمد " بينما يرى البعض ومنهم "طلال السعيد" في كتابه الموسوعة النبطية أن اسمه "حمدان" وأنه من "صناع" بني خالد ..
وعلى العموم نسبه ليس مدار نقاش هنا ومايهمنا هو شعره .. وبغض النظر عما قال طلال السعيد فمن الثابت
انه خالدي ، وتأثر كثيرا بمن يمكن اعتباره معلمه (وفي رواية انه عاصر جزء من حياته) جبر بن سيار الخالدي الذي كان اميرا لقصب وشاعر ونسابة اهتم بالأحداث السياسية الجارية حوله فكتب عنها بإسلوب جاد ، لنرى حميدان ينحو نحو هذا المنحى ولكن بإسلوب ساخر مثل قوله :
وبالحكام مِفْتَخْرٍ كِبيرٍ= إلى من شفت زولِه قلت قارِه
سمينٍ للصحن لو هو خروف= يدبّر مير تدبيره دِماره
جبانٍ ما يصادم له ضديد= ولا يومٍ صخى كفّه بْباره
وبالحكام من يحمى الرعيّه=عن العدوان عن سرقٍ وغاره
يسوس الملك في قلبه وعينه= ومقصوده عماره عن دماره
إلى من البدو داسوا كِمامِه= يخلّيهم جثايا بالمعارهكما ان حال العلماء لم يكن بأحسن حال من الحكام آنذاك ، لذلك نرى حميدان يقول :
العالم يِدخِل ما يِطلِع= سْحماً تاكل ولا تْحَمَى
يِحِبّ الكامد والجامد= من مال الغير الى وْلِما
وانا امدح في العالم شاره= واجوده في فرع الدهَما
لى جتك الطلبه في حلقك/= وتقابلت انت وايّا الخْصِما
ودلّى يسمع نبط الخصمه/= ولحقتك الشكّه والتهَما
الفِزْ في كفه دينار= ليّاه يضرّبك اليْهَما
وايضا قوله :
وبالناس من هو يدّعي بديانه= متْمسّكٍ بديانته واوراده
عند الخلايق غافلٍ ويحسّن= ياخذ شْريطه مثل جارى العاده
عنده لراع الصاع موسٍ جيّد= واللي بلا صاعٍ له المكراده
احذر خداع الخاين المتعبّد= لو دام ليله والنهار عْباده
كم غَرّ فيها من غريرٍ جاهل= حَطَّه لمثله مثل فخٍّ صاده
أشتهر "حميدان" -وكما ورد سابقا - في مجال السخرية والنقد والهجاء فلم يسلم منه أحد وكان الناس يتحاشون الاحتكاك به خوفا من سلاطة لسانه ...
يروى عنه أنه كان في أيام صباه يحمل كيسا مملوء بالقمح ويدور به في سوق بلدته ليبيعه وكان ينادي عليه بقوله :
من يبيعني شعير ناصح = بر هيقلي يشبه عراقيب القطا
فتعجب الناس منه وكيف أنه يريد بيع قمحا جيدا بشعير !!!!! ولما سألوه عن ذلك أحابهم بقوله :
لأمي قريص مايعقب كفوفها = الزين والشين عند أمي سوا !!
ومعنى بيته أن أمه لا تجيد فرد خبز القمح "البر" وأن الشعير والقمح لديها سواء!!
وكما أنه هجا أمه فقد هجا أيضا أبنه "مانع" بقوله :
مانع خيّال بالدكه = بالحلم برأس المقصورة
وان صاح صيّاح من برا = توايق هو والغندورة
اليمنى فيها الفنجال = واليسرى فيها البربورة
واليا ظهر يم السكة = تأخذ جوخته السنورة (*)
(*) السنورة هي القطة
و "حميدان" لايتورع في هجاءه فهو يعم الجميع .. ومن ذلك ماقاله في هجاء أهل بلدته القصب :
أنا من ناس تجرتهم = أرطا الضاحي وادوا الغيرة(*)
والا فالتمر محاربهم = حرب مالهم منه خيرة
دايم شهب ملاغمهم = واحدهم يشرب ماء بيره
يموت الميت ماذاقه = ولا شاله بأضافيره(*) المقصود هنا التخمة
وعلى هذا المنوال قال أيضا يصف بلدته ساخراً :
لي ديرة ماها هماج ومدنها = خراب وان طالعتهامع ونفودها
وهذا لايعني أن "حميدان" لم يكن الا هجاءاً فقط فله الكثير من قصائد المدح والنصح اضافة الى أبيات له سرت مسرى الامثال وفيما يلي نستعرض بعض الامثال الدارجة على ألسنة العامة في نجد وأصلها يعود الى أبيات شعرية قالها حميدان في مناسبات مختلفة :
يقولون في الامثال كناية عن الشخص الجبان : (ترعبه طيرة الحمرّة ) .. وأصله بيت لحميدان يقول فيه :
فارس بالقهاوي وأنا خابره = بالخلا تأخذه طيرة الحمرة
يقولون في الامثال اشارة الى التاجر الجشع البخيل (تاجر فاجر مايزكي الحلال) .. وأصله بيت لحميدان يقول فيه
تاجر فاجر مايزكي الحلال = لو يجي صايم العشر مافطره
ومن الامثال كذلك (ثور ماعليه قلادة) كناية عن الشخص المغفل واصله بيت لحميدان :
ومن لايصير بقدر نفسه عارف = هذاك ثور ماعليه قلاده
وفي الامثال يقولون : (خيّال دكه) اشارة الى من يمدح نفسه في المجالس بغير مافيها وأصل ذلك قول حميدان في بيت له :
مانع خيّـال فـي الدكـة= وظفر في رأس المقصوره
ومن الامثال قولهم : (مثل صياح المقيرة) اشارة الى من يطلب النجدة من غير أهلها وأصل ذلك قول حميدان :
والذي يرتجي الفضل عند اللئام= مثل مستفزع صاح في مقبـره
وفي الامثال يقال (تموت الافاعي وسمها في نحورها) وهو صدر بيت لحميدان .. والبيت كاملا كالتالي :
تموت الأفاعي وسمها في نحورهـا =وكم من قريص مات ماشاف قارصه
(7)يقولون في الامثال كناية عن الشخص الكريم : (أكرم من حاتم بالصخا) وأصل ذلك قول "حميدان" :
خذا العدل عن كسرى وعن حاتم بالصخا = وعن الاحنف حلمه ومن عمرو هاجسه
ويقولون في الامثال "أقول تيس ويقول أحلبه" .. وهذا أصله قول "حميدان" :
أو مثل طابخ الفاس يبغى مرق = أو مثل حالب التيس يبغى مناح
يقولون في الامثال كناية عن وجوب معرفة أصل الشئ (أعرف أمها قبل تضمها) .. وهذا أصله بيت حميدان :
والمرة أعرف أمها قبل تضمها = ضم صن عرضها لايفر بحياة
ومن الامثال قولهم (الدنيا عامرها دامر) .. واصل ذلك قول "حميدان" :
الدنيا عامرها دامر = مافيها خير ياعربي
المتأمل لقصائد "حميدان" يرى مدى تبرمه وامتعاضه من الحالة المادية والسياسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت فهو يقول واصفا فقره وحاله مع الدنيا :
ان جاك من الدنيا طرف = فأشكر مولاك لموجبها
لياك تغيرها فسقة = تغير عنك معاذبها
تراها خلتني أجرد = تجدد وأنا أعقبها
غدت يم وأنا يم = ولاعاد الله بجايبها
فالدنيا روضة نوّار = صيّور الريح تطير بها
وقال يصف حاله مع النساء :
أنا حرت يابوك بين العذارى = وصرت بينهن مثل بايع وسايم
ذي ماتبيني وذي ما أبيها = وذي ماتوافق وذي ماتلايم
أيا عاشق كل عذرا مليحة = هنوف غنوج بخده رقايم
نظرها كحيل وقرن طويل = وخصر نحيل له الردف قايم
ومزيت ريقه عسى ما يفيد = واغضبت ربك بهتك المحارم
تفوت اللذاذه وتبقى الندامه = سريع تكشف أمورعظايم
ويقول أيضا هازئا من حكام زمانه :
يقول الشاعر الحبر الفهيم= حميدان المتهم بالعيارة
جواب يفهمه من هو ذهين= وشطر في صعوده وانحداره
فكرت و حرت بالناس اجمعين= وميزت العزاز من الخبارة
ثم يواصل القصيدة ...
وبالحكام مفتخر كبير = اليا من شفت زوله قلت قاره
سمين للصحن لو هو خروف = يدبر مير تدبيره دماره
جبان مايصادم له ضديد = ولا يوم صخا كفه بباره
خفيف عند ربعه والجماعه = يعرفونه أخف من النجاره
ويفاخر بالملابس والمواكل = ومبخرته على رأسه كراره
ينام الليل هو والصبح كله = وقلبه بارد مابه حراره
تؤى هذاك ماياخذ زمان= كمقلع شيحة ماله قرارة
ومن قصصه الطريفة التي تدل على اشتغاله بالشعر وجعله "مصدر رزق" له أنه في أحد الايام مر على شخص من أهالي رغبة –احدى قرى منطقة المحمل شمال غرب مدينة الرياض- فطلب منه هذا الشخص أن يمدحه فقال له "حميدان" ان عشيني مدحتك .. فقام الرجل وجهز له وجبة عشاء وبعد أن انتهى "حميدان" من العشاء قال في الرجل :
ونعم ونعمين براعي رغبة = والنعم الثالث الى الغربة (*)
حيثه أكرمني بنصيف دهن = وعسيب عطا براسه كربه (**) (*) الغربة : جبل
(**) العسيب والكربة : من أجزاء النخل
وقد تجنى على المرأة كثيرا ومن ذلك قوله واصفا حال النساء بعد الكبر :
المره اليا عقب رأسها الأربعين = ورأسها عقب ذا بالمشيب أقتلب
حطها بحفرة بالثرى عمقها = قامه وأرمها وأثن منها الركب
أي قرب العجوز واي بنت رهوز = النواهد ركوز زهن الملب
من تجوز عجوز فهو نادم = لو يفرش ويلحف ثمين الذهب
ماخبرنا يساهرها كود القريص = جعلها تساهر على أية سبب
بطنها ملتوي مثل بطن المعيد = ماعلى وركها مايرد الحقب
اليا مشت مثل قوس حناه استاد = مايل راسها كن فيها رقب
دايم بالدجى صدرها له فحيح = مثل شذب النجاجير صلب الخشب
انـا جاهـل مـا قـربـت الدلـيـل = عالم الغيب ربي ومـا فسـره
هــذا مـلاقـاك يـــوم الـمــلاك = ان كان ذا فاسد ذاك في اثره
الى صرت فلاح ولا ان شاء الله أفلح = جعـلـت انــا صيـفـي الـــزروع بـكــور
اطقهـا بالعصـا والحصـا = وارضيها بشي ما ينطرا
اول بـطـن منـهـا زيـــن = والثانـي جاهـا ودمــرت
والثالث نطت في كوري = واظـن عريتـهـا ظـهـرت
الدنيـا شـانـت مــا زانــت = صــارت لـفـلان وفـلانــه
الحصني يمشي ديقان = والبومه صارت شيهانـه
المسجد بابه مـا طـرف = ادخل يا اللي فيك ديانه
افـطـن للهمــه والمـمـشـى= هــــذا والـكـرشــه مـلـيـانـه
انـــا افـتــر وبـعـيـري يـجـتـر= غابت الشمس وانا قدو غيانه
ابيات نسبت اليه ولكنني اشك في ذلك
الـديـن الـديـن الـلـي بـيــن = بين مثل شمـس القيضيـه
الـديـن بعـيـر خـــرج اربـــع = والخامـس ديــن الاباضـيـه
مـا همـي ذيـب فـي عوصـا = همـي عـود فـي الدرعـيـه
قولـه حـق وفعـلـه بـاطـل = وسيـوفـه كـتــب مـطـويـه
خـلـي هـــذا يـذبــح هـــذا = وهــو نـايـم فــي الـزولـيـه
ان جاك السبـع ابـو ريشـه = يلعـب لـك لـعـب الحوحـيـه
فاقدح وعلق واركب ووشم = وحـط القـاطـع بـيـن لحـيـه
طُرد "حميدان" من نجد بسبب نظمه لقصيدة شتم فيها قرى نجد وأهلها – وقيل انهم اجمعوا على هدر دمه فلجأ الى البصرة في العراق ثم الزبير وعمل فيها حارسا للبساتين وأستمر فيها مدى طويلة عاد بعدها مقدمأً اعتذاره لأهل تلك القرى ولكنهم لم يقبلوا اعتذاره وحاولوا قتله لولا أن أجاره أحد أمراء تلك القرى بعد أن مدحه (قيل أنه سليمان السديري وقيل عبدالله بن معمر) ..
كان له طريقة خاصة في شعره فكان يستخدم الاوزان الخفيفة وكانت قصائده من النوع الذي يحفظ بسرعة وهذا الذي ساعد في انتشارها بين الناس ..
سافر في رحلة للزبير ، مر بالعديد من القرى والبلدات ، وكتب عن أهلها في قصائده ، إما مادحاً أو ذاماً . شعره يميل إلى الفلسفة والحكمه ولايخلو من النظرة السياسية البعيدة المدى . يبدو لي أنه كان أقرب إلى الحطيئة في نهجه في الهجاء ، حتى أنه لم يتورع عن هجاء نفسه وابنه وابنته وزوجته ، ولكن كما رأينا معظم ما تفوه به
من شعر الحكمة جرى مجرى الأمثال في نجد .
قصة وقصيدة
ظهرت من الحزم اللي به = سيد السادات من العشرة
حطيت سنام باليمنى = ووردت الرقعي من ظهره
ولقيت الجوع ابو موسى = بان له بيت بالحجره
عليه قطيعة دسمال = وبشيت منبقر ظهره
وحاكاني وحاكيته = وعطاني علم له ثمرة
ما يرخص عندي مضمونه = وأقول بعلمه وخبره
الزلفي فيه زغيويّة = أوي دحوش بجزرة
وأهل مغيرة مابهم خيرة = وأميرهم ذاك القذرة
من قابل خشم العرنيّة = فالخاطر منقول خطره
ومن قال أنا مثل سليمان = كرم السامع ياكل بعره
والخيس بويليد مسقى = ضبيب لاجي له بوعره
والفيحا ديرة عثمان = مقابلها ديار الزيره
وأهل جلاجل نعيميّة = ورا الباب مامن ظهره
وأهل التويم راس الحيّة = من وطاها ينقل خطره
وأهل الداخلة النواصر = خاطرهم مقطوع ظهره
ابن ماضي راعي الروضه = ياخذ منهم ربع الثمره
وابن نحيط راعي الحصون = الداشر رضّاع البقره
وأهل الحوطه وقصراهم = نصف خنيث ونصف مره
وأهل العطار عرينات = الله يقطع ذيك الشجره
وأهل العودة عند الندوه = عد أخيك وعد عشره
وأهل عشيرة منيعات = أوي رجال بذيك الظهره
وأما الحريّق جحرٍ ضيّق = ماياخذإلا اللي حفره
وأهل تمير قريريشه = ماشال العير شال ظهره
ونرى الشاعر قد جند نفسه ليكون مرآة للمجتمع
يا صبي افتهم من عويد فهيم = وفي كل غبة من الفكر عايم
أقول النصايح واعد الفضايح = عن اللي فعلها ولا أخاف لايم
وأعسف القوافي بسبك المعاني = واصخر صعبها بليا شكايم
كان عصر شاعرنا مليئاً بالفتن والحروب والاضطرابات السياسية
ولعل شاعرنا اوضح بعض الابيات عن تلك الحوادث التي ظهرت
في عصره ، لذلك نراه يقول :
الفتنه نايمه دايم = مار الاشرار توعيها
يشب الفتنه مقرود = وعلقها من لا يطفيها
فالي علقت ثم اشتبت = بالحرب نحاش مشاريها
تلحق برجال واجواد = دومٍ تنصى قهاويها
يشب الفتنه مقرود = نزعه شيطان وحلقة
فالى اشتدت معالبها = قفا ناير مثل السلقه
كسروا عظمة وخذوا ماله = خلوا عياله لهم لعقه
وخلي مقصاة ابن درمه = مختلط دمه بعرقه
وتحدث عن حال الرجل حينما يكبر
بالعون منيف قاله لي = يقول غلاك يو انك صبي
صدقتك منيف في قوله= وتبين لي ماكان غبي
شفت الشايب عند عياله = وام عياله مثل العزبي
لو يطلبهم ردة لقمة = قالوا مخلي وش ذا الصلبي
كلوا فيده وعادوه = عقب التمسك بالسببي
إحفظ مالك تجي غالي = حتى يلاقونك بالعتبي
أحد يقال له لبيه = واحد يقال له وش تبي
حتى ام عيالي زهدت بي=نسيت زماني وطربي
فقدت مني شئ مااطريه=على بهمي وعلى ركبي
لوهو يشرا كان اشريه = وارخص به مالي وذهبي
شف ظهيري موجعني=منقطع من حد حقبي
وهجوسي تسري بالليل= خةف من موت بطلبي
الدنيا عامرها دامر= مافيها خير ياعربي
صدرت وطويت العده = يعقبني من كان يبي
ويرى ان المال هو الضمانه
قال عود رمنه سنين مضت = زلّ عصر الصبى والمشيب حضره
حضره بالمجالس يتالي العصا = زهد فيه الولد والوعد والمره
من بقى معه مال فهو غالي= يكمسون الحصا بالعصا عن ثره
وأن بقا ما معه شي فهو خايب = قيل عود كبير وفيه الشره
فمن ابياته في الحكمة والتي تعكس اهمية المال لدى المجتمع
لو المال عند عنز شيورت = وقيل يام قرين وين المنزله
وبالنسبة لمسكنه فهو من بلدة القصب التي يسميها احيانا : بلاد الدعم وايضاً بدار ابن سيار والدعوم بني خالد
ايها المرتحل من بلاد الدعم - - فوق منجوبة كنها الجوذره
الى سرت من دار ابن سيار كنها - - سبرتات حزم صارخات ثعالبه
ولكنني وجدت هذا البيت في قصيدته المنتهية بالقافيه بـ ارسه
سبرتات حزم صارخات هجارسه
فيقول ناصر الحميضي من أهالي القصب:
"ومنزل حميدان الشويعر قريب من مزرعته التي كان يزرعها والتي كانت على حافة الوادي الرئيس في القصب والمسمى (الباطن) فهي واقعة بين شعبين من شعاب الباطن، بين السياري شرقاً والرفيعة غرباً، جرفها السيل حالياً ولم يبق لها سوى امتار قليلة وبشكل طولي لا تكاد السيارة تمر عبره.
اما داره التي يتناقل الكثيرين من أهل القصب انها فعلاً هي الدار التي كان يسكن فيها فتقع في الزاوية المطلة على الباب الرئيس لبلدة القصب والمسمى (باب الحوطة)، وسمي باب الحوطة نسبة لحوطة تقع غربه فيها بعض النخيل ولا يزال بقية من تلك النخيل قائمة حتى الآن.
ولم تكن دار حميدان الشويعر على الباب مباشرة كما هي عليه الآن الا بعد سد الباب الرئيس للقصب والمتجه غرباً وتحويله ناحية الجنوب لأسباب امنية ووقائع حصلت في نهاية القرن الثاني عشر الهجري.
ويبدو ان صحت الروايات ان حميدان الشويعر اتخذ داره في الجهة الشمالية الغربية لقربها من المزرعة فقط ولكي يسهل عليه الوصول اليها والعودة، والا فإن مساكن السيايرة الذين ينتمي لهم الشاعر حميدان عما يقال هم في الجزء الجنوبي الشرقي من القصب، اذ لا يعرف في هذا الجزء مساكن لآل سيار.
وربما كان هناك سبب آخر لا ندري عنه وهو نسبة الذي ربما يكون مع بني تميم الذين يسكنون هذا الجزء من القصب.
ولقد سكن الدار المذكورة في الوقت الحالي المتأخر حمد بن مسعد وتعرف الآن بدار (حمد) والمقصود هو حمد بن مسعد، ولا قرابة لهذا من ذاك، لأن حمد بن مسعد من قبيلة بني تميم، وحميدان الشويعر يقال انه من بني خالد.
ودار الشويعر المذكورة دار متوسطة المساحة وتعد من الدور الكبيرة في وقت مضى، كما انها تتكون من دورين وغرف علوية وسفلية ويشكل جدارها الغربي سور البلدة وحاميها الخارجي، ويوجد في خارج البلدة وبملاصقة جدار الدار مجالس الرجال الطينية التي يجلسون فيها في اوقات الصباح والعصر، والتي تعد (مشراقاً) للعديد منهم وخاصة كبار السن.
ولم تتشكل هذه المجالس الا بعد الأمن الذي حصل بعد فتح الملك عبدالعزيز وتوحيد البلاد، اما قبل ذلك فكانت المجالس داخل البلدة بجوار مسجد الشعبة وفيما يلي باب الحوطة من الداخل.
يعود عمر دار حميدان الشويعر الى ما قبل اربعمائة سنة وهو التاريخ الذي عمرت فيه البلدة التي تهدمت اليوم وهجرها اهلها الى المخططات الجديدة.
ولا نشك في انها قد طرأ عليها بعض التعديل والترميم وربما التقسيم والإضافة والتجزئة، لأن هذه حالة مساكن أهل البلدة جميعاً نتيجة ضيق مساحة البلدة وتزايد السكان جيلاً بعد جيل. لقد رحل السابقون وبقيت شواهد قائمة من اطلال دورهم كانت عامرة بالحركة واليوم هي في مهب الريح مفتوحة لها وعوامل النحت تزيل ما بقي منها يوماً بعد آخر، ويعرفنا بالشاعر ما قرأناه من شعره كما تشير داره لبقية من ذكراته التي لا نذكرها وإنما تقال لنا نقلاً عن السابقين والمؤرخين والرواة".
لماذا كان يسخر من ابنه مانع؟
كان مانع ابن حميدان الشويعر يعمل في مزارع القصب القديمة التي تقع شمال القصب
( العرعرية ... الحميضية ... الطالعه ... السياري ) وكان يقوم بجرد النخل وتلقيحها
وتخليصها وصرامها ثم يعطى أجره على عمله ... وغير الاجر يختار نخله من اطيب النخل
وكان من اشهر النخيل في ذلك الوقت السلج والخضري والصقعي والحلوه
فأختار مانع نخلة من تلك النخيل ... ولعل هذا الاختيار أدى الى خلاف بينه وبين
هلال ( أحد ابناء امراء البلده ) حيث تعدى هلال على مانع وضربه بالعصا على يده
التي ادت الى قطع احد الاعصاب ... كانت اشبه ما تكون بضربت السيف ...
فعابت اليد ... ولم يستطع مانع رد الاهانة ... ولم تأخذ السلطه حقه في البلدة
فلما سمع حميدان ما جرى ... بدأ بالسخريه على ابنه ووصفه بالجبن والخوف
مانع خيال في الدكة = وظفر في راس المقصوره
وان صاح صياح من برا = توايق هو والغندوره
واليمنى فيها فنجال = واليسرى فيها البربوره
والى ظهر يم السكة = تأخذ جوخته السنوره
بوم تفتش ثوبه تلقاه = نجس ثوبه من هرهوره
ومازال حميدان الشويعر يواصل السخريه والاستفزاز في ولده
وأما يده التي عابت أصبحت مشبوهه ... فقال عنها حميدان
كأنها مغرفة ... وفي يوم الايام جاءت حملة من البادية الى
سوق القصب ... يريدون بعض حاجياتهم سألت إحدى النساء
عن مغرفة لشرائها فقال حميدان الشويعر مشيراً الى ابنه هذا
الرجل لديه مغرفه ولكنه لن يبيعها بسهوله فأصري عليه واطلبيها
منه فلعله يبيعها ... فذهبت المرأة الى مانع وسألته عن المغرفة
فسألها عمن ارسلها فأشارت لابيه .. ففهم انه يقصد كفه المعبية
فيبدو انه يحرضه على الثأر
وبعد ذلك قرر مانع أخذ الثأر ... فسمع هلال ان مانع يخطط للثأر
وأخبر هلال زوجته ان تتفحص كل شي يدخل البيت حتى الاغنام
فدخل مانع مع الاغنام بعدما لبس جلد خروف ... وتسلل داخل
البيت الى حين ادراك هلال وقتله ...
وكان حميدان يراقب الحدث هو و زوجته وابناءه خارج البلده
فقد عرف حميدان ان الثأر تحقق بعدما راى النار اوقدت وبعد
فترة أنطفت ... (لان الحكام لا يشعلون النار الا اذا حدث صوت
مفزع او اي حادث فأن استمرت النار مشتعلة معنى ذلك ان
الاصابه بسيطة اما اذا اشتعلت ثم أنطفأت فالمصيبة هنا كبيره )
قرر حميدان الشويعر الرحيل من البلده هو ابنه خوفاً من القصاص
فعند وصوله الى جنوب بلدة القصب قال هذه الابيات متمنياً زوالها
تماماً ويتمنى البعد عنها فذهب الى أثيثية .. والتجأ عند أهلها :
الا يا نخلات لي على جال عليم = حدايق غلب شوفهن يروع
تقللت عن دار وربع ومنزل = وقبلتها جثو التراب كسوع
فلا يا عاير القصب الجنوبي ليتني = اشوقك منحدر السراب لموع
وبالتالي لجأ حميدان وعائلته لأثيثيه ، حيث انطلق المثل "جن وثيثيه باسم الله"
فهاهو يمجد اهلها
زبنت لأولاد العزاعيـز ديـرة=لهم في ذرى عالي تميم فروع .
ولقد لاحظ حميدان الشويعر ان أمير ثرمدا يفرض على اثيثية بعض الضرائب والاتاوة ولقد أذل اهل البلدة فيأخذ من اطايب الثمر ويأخذ كل جمعة لحم جزور، وهذا الوضع لم يعجب حميدان ولا يرضاه لأحد فأخذ يحرض أهل البلد على التمرد والخروج على أمير ثرمداء وقال أبيات تثير حماس أهل البلدة.
ديرة للعزاعيـز سقـم الحريـب=علها الله بوسـم وصيـف قفـاه
عمهـم يانديـب بسـلام جميـع=عدما هـل وبـل وهبـت هـواه
قل لهم شوري اللي مضى من قديم=بالهـم يخلفونـه يجيهـم قضـاه
احربوا واضربوا دون حدب الجريد=واذكرو قول حاتـم ولاشٍ سـواه
من ذبح دون ماله فحـال شهيـد=وان حيا بالسعادة وله كبـر جـاه
جدكـم رخمـة ماكـر للطـيـور=لهـس ... كـل حـلاوي نـمـاه
وأظهر الله عيالـه وسبـب لهـم=شور عـود فهيـم قليـل خطـاه
أفطموا من فطم ديـد مـن قبلكـم=فطمة الورع عن ديده اللي غـذاه
لكن لم تحرك هذه الابيات أي ساكن بل استمروا على وضعهم ولديهم الرغبة لكن تفكيرهم بالعواقب منعهم من ذلك، حاول الشاعر مراراً وتكراراً، وفكر في وسيلة وهي الطريق الوحيد، لكن هذه الطريقة تحتاج إلى وقت لكن هي الحل الوحيد، فذهب الى أمير اثيثية واشار عليه برأي وهو ( ان يتزوج من بيت أصيل كريم في بلدة اخرى غير اثيثية ) ( الرواية التي اعرفها هو انه اشار عليه بالزواج من امرأة مقعدة ولكن اهلها مشهورين بالشجاعه حتى تنجب له أولاد شجعان )رحب امير اثيثية ونبه حميدان ان الرجل الكريم سوف يعيب ابنته بأنها عرجاء عوراء فعليه ان يقبل. وفعلاً ذهب وتم الزواج بشكل مبسط سريع، وانجبت بنت المرأة ولدين وكبرا وصارت أمهما تعتني بهما وتمشط شعرهما بالطيب والعنبر ، فأخذ حميدان يترقب الشابان ويشاهد بعض علامات النبوغ والشجاعة وصارت إمارة اثيثية لهما بعد ان كبر والدهما وذهب حميدان إلى أم الشابين ذات يوم و معه إناء مملوء ( بخثاء البقر) فقدم لزوجة الأمير فأخذته وسألت لماذا هذا؟ قال حميدان : الأولى ان تمشطي أبنائك ( بخثاء البقر) لأنهم رضوا بالذل من امير ثرمداء فهمت الأم وأخذت الوعاء ذكرت ذلك لأبنائها فلتقاء حميدان بالشابان ورسم خطة محكمة للثورة ودرست جميع الاحتمالات وتم العزم على التمرد والثورة فأتي اليوم الموعود وهو ان كل جمعة يأتي خادم أمير ثرمداء ويأخذ لحم جزور ومن اطيب اللحم فقاموا بقتل الخادم وقطعة نصفين وتعليقه في" خرج الحمار " ورجع الحمار الى ثرمداء وعندما فتحوا الخرج وجدوا جسم الخادم فثارت ثرمداء عن بكرة أبيها واجتمع الفرسان ورقصوا رقصة الحرب " العرضة " وقرعت الطبول واجتمع كبار وشباب ثرمداء وكلهم محتمي بسلاحه، وجهزّ اهالي اثيثية عدتهم وقام الفرسان بإستعراض قوتهم واختاروا مكان المعركة الفاصلة في تاريخ بلدتهم واختاروا مكان مناسب للطراد والفروالكر واجتمع الجيشان والتحم الفرسان وأيقن اهالي ثرمداء بالنصر وبدأ اهالي اثيثية بالتراجع لأن عددهم اقل من اهالي ثرمداء وعددتهم اقل شأناً من خصوصهم و ما أن قارب اهالي ثرمداء النصر لم يشعر الجمعان إلا بقوة ثالثة تأتي من خلف أهالي اثيثية تتألف من الكراديس من الخيل البلق ويركبونها فرسان ملثمون لا يعرفون الخوف ولا ينازلون قرناً إلا أطاحوا به في ميدان القتال وانقلبت الموازين وتغيرت النتائج وبدأ اهالي اثيثية بالتقدم واهالي ثرمداء بالتراجع وانتهت المعركة بإنتصار قوي وكبير لأهالي اثيثية البلدة الصغيرة على بلدة ثرمداء الكبيرة، وفي رواية اخرى فإن خطة حميدان تنص على مايلي:
- تلبيس الأحجار في سفوح الجبال بثياب الرجال وتوقيفها فعند الغروب من رأها ظنها رجالا رماة ، وطلب
من بعض الرماة الكمون خلف هذه الحجارة
- ملاقاة فرسان ثرمدا بعدد قليل ، ثم ينهزم هذا العدد باتجاه الوادي الذي تحيط به السفوح التي بها الأحجار
التي البست ثياب الرجال
-حينما توسطوا الوادي ، التحق بالفرسان القلائل بقية الرجال ، وبدأ الرماة يصوبون جيش ثرمدا من كل جانب
ففوجئ فرسان ثرمدا بالرمي من كل الجهات ، وهم يعرفون ان اهل وثيثية قله ، فخيل لهم ان الجن يساعدون اهل وثيثية ، فهربوا وهم يصيحون "جن وثيثه بسم الله"
ولم تقم لثرمداء قائمة ولم تستطيع فرض قوتها مثل السابق ولم تستيطع أخذ الاتاوة والضرائب على اثيثية وبقيت هذه المعركة خالده في تاريخ الوشم تتناقلها جيل بعد جيل، وبقى سر الفرسان الملثمون لم يفسر بشكل قطعي إلى وقتنا الحاضر فبعضهم يقول انها قبيلة من الــجــن كانت تسكن مزارع اثيثية وتعود العلاقة ان إمرأة من اثيثية وجدت طفلاً صغير في أحدى المزارع وعرفت انه من الجن وكان يبكي من الجوع فقامت بإرضاعه والعناية به حتى صار يدعوها يا أمي وكبر هذا الجني وطلب من أمه الانسية إذا احتاجت الى مطلب ان تأتي إلى هذه المزرعة وتنادي ( ياسحلول) وفعلاً عندما شاهدت الإمرأة جيش اثيثية يحل به الهزيمة ذهبت مسرعة الى المكان وخلعت خمارها " شيلتها " ونادت بإسم ولدها الجني وحضر وأخبرته بالمصيبة وذهب الجني واحضر فرسان قومه ودخلوا المعركة وكانت لهم بعد الله الفضل في انتصار بلدة اثيثية(هذه الرواية غير معقوله) . اما التعليل الثاني ان الشابين استعدوا وطلبوا من خوالهم ان يعينوهم وفعلاً حضر فرسان بلده خوالهم واختبئوا في مزارع وخرابات اثيثية وبعد ان شاهدوا ملامح انتصار ثرمداء دخلوا المعركة بسرعة خاطفة وبقوة ضاربة ( هذه اقرب للصحة
فأخوالهم حسب بعض الروايات هم من قبيلة حميدان)
وأختلف كثيرا في نسبه فهنالك من يقول أنه ينتمي لعائلة "السياري" من قبيلة بني خالد واسمه حمد بن سعود السياري وقيل حمد بن ناصر السياري وما اسم حميدان الا تصغير لحمد " بينما يرى البعض ومنهم "طلال السعيد" في كتابه الموسوعة النبطية أن اسمه "حمدان" وأنه من "صناع" بني خالد ..
وعلى العموم نسبه ليس مدار نقاش هنا ومايهمنا هو شعره .. وبغض النظر عما قال طلال السعيد فمن الثابت
انه خالدي ، وتأثر كثيرا بمن يمكن اعتباره معلمه (وفي رواية انه عاصر جزء من حياته) جبر بن سيار الخالدي الذي كان اميرا لقصب وشاعر ونسابة اهتم بالأحداث السياسية الجارية حوله فكتب عنها بإسلوب جاد ، لنرى حميدان ينحو نحو هذا المنحى ولكن بإسلوب ساخر مثل قوله :
وبالحكام مِفْتَخْرٍ كِبيرٍ= إلى من شفت زولِه قلت قارِه
سمينٍ للصحن لو هو خروف= يدبّر مير تدبيره دِماره
جبانٍ ما يصادم له ضديد= ولا يومٍ صخى كفّه بْباره
وبالحكام من يحمى الرعيّه=عن العدوان عن سرقٍ وغاره
يسوس الملك في قلبه وعينه= ومقصوده عماره عن دماره
إلى من البدو داسوا كِمامِه= يخلّيهم جثايا بالمعارهكما ان حال العلماء لم يكن بأحسن حال من الحكام آنذاك ، لذلك نرى حميدان يقول :
العالم يِدخِل ما يِطلِع= سْحماً تاكل ولا تْحَمَى
يِحِبّ الكامد والجامد= من مال الغير الى وْلِما
وانا امدح في العالم شاره= واجوده في فرع الدهَما
لى جتك الطلبه في حلقك/= وتقابلت انت وايّا الخْصِما
ودلّى يسمع نبط الخصمه/= ولحقتك الشكّه والتهَما
الفِزْ في كفه دينار= ليّاه يضرّبك اليْهَما
وايضا قوله :
وبالناس من هو يدّعي بديانه= متْمسّكٍ بديانته واوراده
عند الخلايق غافلٍ ويحسّن= ياخذ شْريطه مثل جارى العاده
عنده لراع الصاع موسٍ جيّد= واللي بلا صاعٍ له المكراده
احذر خداع الخاين المتعبّد= لو دام ليله والنهار عْباده
كم غَرّ فيها من غريرٍ جاهل= حَطَّه لمثله مثل فخٍّ صاده
أشتهر "حميدان" -وكما ورد سابقا - في مجال السخرية والنقد والهجاء فلم يسلم منه أحد وكان الناس يتحاشون الاحتكاك به خوفا من سلاطة لسانه ...
يروى عنه أنه كان في أيام صباه يحمل كيسا مملوء بالقمح ويدور به في سوق بلدته ليبيعه وكان ينادي عليه بقوله :
من يبيعني شعير ناصح = بر هيقلي يشبه عراقيب القطا
فتعجب الناس منه وكيف أنه يريد بيع قمحا جيدا بشعير !!!!! ولما سألوه عن ذلك أحابهم بقوله :
لأمي قريص مايعقب كفوفها = الزين والشين عند أمي سوا !!
ومعنى بيته أن أمه لا تجيد فرد خبز القمح "البر" وأن الشعير والقمح لديها سواء!!
وكما أنه هجا أمه فقد هجا أيضا أبنه "مانع" بقوله :
مانع خيّال بالدكه = بالحلم برأس المقصورة
وان صاح صيّاح من برا = توايق هو والغندورة
اليمنى فيها الفنجال = واليسرى فيها البربورة
واليا ظهر يم السكة = تأخذ جوخته السنورة (*)
(*) السنورة هي القطة
و "حميدان" لايتورع في هجاءه فهو يعم الجميع .. ومن ذلك ماقاله في هجاء أهل بلدته القصب :
أنا من ناس تجرتهم = أرطا الضاحي وادوا الغيرة(*)
والا فالتمر محاربهم = حرب مالهم منه خيرة
دايم شهب ملاغمهم = واحدهم يشرب ماء بيره
يموت الميت ماذاقه = ولا شاله بأضافيره(*) المقصود هنا التخمة
وعلى هذا المنوال قال أيضا يصف بلدته ساخراً :
لي ديرة ماها هماج ومدنها = خراب وان طالعتهامع ونفودها
وهذا لايعني أن "حميدان" لم يكن الا هجاءاً فقط فله الكثير من قصائد المدح والنصح اضافة الى أبيات له سرت مسرى الامثال وفيما يلي نستعرض بعض الامثال الدارجة على ألسنة العامة في نجد وأصلها يعود الى أبيات شعرية قالها حميدان في مناسبات مختلفة :
يقولون في الامثال كناية عن الشخص الجبان : (ترعبه طيرة الحمرّة ) .. وأصله بيت لحميدان يقول فيه :
فارس بالقهاوي وأنا خابره = بالخلا تأخذه طيرة الحمرة
يقولون في الامثال اشارة الى التاجر الجشع البخيل (تاجر فاجر مايزكي الحلال) .. وأصله بيت لحميدان يقول فيه
تاجر فاجر مايزكي الحلال = لو يجي صايم العشر مافطره
ومن الامثال كذلك (ثور ماعليه قلادة) كناية عن الشخص المغفل واصله بيت لحميدان :
ومن لايصير بقدر نفسه عارف = هذاك ثور ماعليه قلاده
وفي الامثال يقولون : (خيّال دكه) اشارة الى من يمدح نفسه في المجالس بغير مافيها وأصل ذلك قول حميدان في بيت له :
مانع خيّـال فـي الدكـة= وظفر في رأس المقصوره
ومن الامثال قولهم : (مثل صياح المقيرة) اشارة الى من يطلب النجدة من غير أهلها وأصل ذلك قول حميدان :
والذي يرتجي الفضل عند اللئام= مثل مستفزع صاح في مقبـره
وفي الامثال يقال (تموت الافاعي وسمها في نحورها) وهو صدر بيت لحميدان .. والبيت كاملا كالتالي :
تموت الأفاعي وسمها في نحورهـا =وكم من قريص مات ماشاف قارصه
(7)يقولون في الامثال كناية عن الشخص الكريم : (أكرم من حاتم بالصخا) وأصل ذلك قول "حميدان" :
خذا العدل عن كسرى وعن حاتم بالصخا = وعن الاحنف حلمه ومن عمرو هاجسه
ويقولون في الامثال "أقول تيس ويقول أحلبه" .. وهذا أصله قول "حميدان" :
أو مثل طابخ الفاس يبغى مرق = أو مثل حالب التيس يبغى مناح
يقولون في الامثال كناية عن وجوب معرفة أصل الشئ (أعرف أمها قبل تضمها) .. وهذا أصله بيت حميدان :
والمرة أعرف أمها قبل تضمها = ضم صن عرضها لايفر بحياة
ومن الامثال قولهم (الدنيا عامرها دامر) .. واصل ذلك قول "حميدان" :
الدنيا عامرها دامر = مافيها خير ياعربي
المتأمل لقصائد "حميدان" يرى مدى تبرمه وامتعاضه من الحالة المادية والسياسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت فهو يقول واصفا فقره وحاله مع الدنيا :
ان جاك من الدنيا طرف = فأشكر مولاك لموجبها
لياك تغيرها فسقة = تغير عنك معاذبها
تراها خلتني أجرد = تجدد وأنا أعقبها
غدت يم وأنا يم = ولاعاد الله بجايبها
فالدنيا روضة نوّار = صيّور الريح تطير بها
وقال يصف حاله مع النساء :
أنا حرت يابوك بين العذارى = وصرت بينهن مثل بايع وسايم
ذي ماتبيني وذي ما أبيها = وذي ماتوافق وذي ماتلايم
أيا عاشق كل عذرا مليحة = هنوف غنوج بخده رقايم
نظرها كحيل وقرن طويل = وخصر نحيل له الردف قايم
ومزيت ريقه عسى ما يفيد = واغضبت ربك بهتك المحارم
تفوت اللذاذه وتبقى الندامه = سريع تكشف أمورعظايم
ويقول أيضا هازئا من حكام زمانه :
يقول الشاعر الحبر الفهيم= حميدان المتهم بالعيارة
جواب يفهمه من هو ذهين= وشطر في صعوده وانحداره
فكرت و حرت بالناس اجمعين= وميزت العزاز من الخبارة
ثم يواصل القصيدة ...
وبالحكام مفتخر كبير = اليا من شفت زوله قلت قاره
سمين للصحن لو هو خروف = يدبر مير تدبيره دماره
جبان مايصادم له ضديد = ولا يوم صخا كفه بباره
خفيف عند ربعه والجماعه = يعرفونه أخف من النجاره
ويفاخر بالملابس والمواكل = ومبخرته على رأسه كراره
ينام الليل هو والصبح كله = وقلبه بارد مابه حراره
تؤى هذاك ماياخذ زمان= كمقلع شيحة ماله قرارة
ومن قصصه الطريفة التي تدل على اشتغاله بالشعر وجعله "مصدر رزق" له أنه في أحد الايام مر على شخص من أهالي رغبة –احدى قرى منطقة المحمل شمال غرب مدينة الرياض- فطلب منه هذا الشخص أن يمدحه فقال له "حميدان" ان عشيني مدحتك .. فقام الرجل وجهز له وجبة عشاء وبعد أن انتهى "حميدان" من العشاء قال في الرجل :
ونعم ونعمين براعي رغبة = والنعم الثالث الى الغربة (*)
حيثه أكرمني بنصيف دهن = وعسيب عطا براسه كربه (**) (*) الغربة : جبل
(**) العسيب والكربة : من أجزاء النخل
وقد تجنى على المرأة كثيرا ومن ذلك قوله واصفا حال النساء بعد الكبر :
المره اليا عقب رأسها الأربعين = ورأسها عقب ذا بالمشيب أقتلب
حطها بحفرة بالثرى عمقها = قامه وأرمها وأثن منها الركب
أي قرب العجوز واي بنت رهوز = النواهد ركوز زهن الملب
من تجوز عجوز فهو نادم = لو يفرش ويلحف ثمين الذهب
ماخبرنا يساهرها كود القريص = جعلها تساهر على أية سبب
بطنها ملتوي مثل بطن المعيد = ماعلى وركها مايرد الحقب
اليا مشت مثل قوس حناه استاد = مايل راسها كن فيها رقب
دايم بالدجى صدرها له فحيح = مثل شذب النجاجير صلب الخشب
انـا جاهـل مـا قـربـت الدلـيـل = عالم الغيب ربي ومـا فسـره
هــذا مـلاقـاك يـــوم الـمــلاك = ان كان ذا فاسد ذاك في اثره
الى صرت فلاح ولا ان شاء الله أفلح = جعـلـت انــا صيـفـي الـــزروع بـكــور
اطقهـا بالعصـا والحصـا = وارضيها بشي ما ينطرا
اول بـطـن منـهـا زيـــن = والثانـي جاهـا ودمــرت
والثالث نطت في كوري = واظـن عريتـهـا ظـهـرت
الدنيـا شـانـت مــا زانــت = صــارت لـفـلان وفـلانــه
الحصني يمشي ديقان = والبومه صارت شيهانـه
المسجد بابه مـا طـرف = ادخل يا اللي فيك ديانه
افـطـن للهمــه والمـمـشـى= هــــذا والـكـرشــه مـلـيـانـه
انـــا افـتــر وبـعـيـري يـجـتـر= غابت الشمس وانا قدو غيانه
ابيات نسبت اليه ولكنني اشك في ذلك
الـديـن الـديـن الـلـي بـيــن = بين مثل شمـس القيضيـه
الـديـن بعـيـر خـــرج اربـــع = والخامـس ديــن الاباضـيـه
مـا همـي ذيـب فـي عوصـا = همـي عـود فـي الدرعـيـه
قولـه حـق وفعـلـه بـاطـل = وسيـوفـه كـتــب مـطـويـه
خـلـي هـــذا يـذبــح هـــذا = وهــو نـايـم فــي الـزولـيـه
ان جاك السبـع ابـو ريشـه = يلعـب لـك لـعـب الحوحـيـه
فاقدح وعلق واركب ووشم = وحـط القـاطـع بـيـن لحـيـه
طُرد "حميدان" من نجد بسبب نظمه لقصيدة شتم فيها قرى نجد وأهلها – وقيل انهم اجمعوا على هدر دمه فلجأ الى البصرة في العراق ثم الزبير وعمل فيها حارسا للبساتين وأستمر فيها مدى طويلة عاد بعدها مقدمأً اعتذاره لأهل تلك القرى ولكنهم لم يقبلوا اعتذاره وحاولوا قتله لولا أن أجاره أحد أمراء تلك القرى بعد أن مدحه (قيل أنه سليمان السديري وقيل عبدالله بن معمر) ..
كان له طريقة خاصة في شعره فكان يستخدم الاوزان الخفيفة وكانت قصائده من النوع الذي يحفظ بسرعة وهذا الذي ساعد في انتشارها بين الناس ..
سافر في رحلة للزبير ، مر بالعديد من القرى والبلدات ، وكتب عن أهلها في قصائده ، إما مادحاً أو ذاماً . شعره يميل إلى الفلسفة والحكمه ولايخلو من النظرة السياسية البعيدة المدى . يبدو لي أنه كان أقرب إلى الحطيئة في نهجه في الهجاء ، حتى أنه لم يتورع عن هجاء نفسه وابنه وابنته وزوجته ، ولكن كما رأينا معظم ما تفوه به
من شعر الحكمة جرى مجرى الأمثال في نجد .
قصة وقصيدة
ظهرت من الحزم اللي به = سيد السادات من العشرة
حطيت سنام باليمنى = ووردت الرقعي من ظهره
ولقيت الجوع ابو موسى = بان له بيت بالحجره
عليه قطيعة دسمال = وبشيت منبقر ظهره
وحاكاني وحاكيته = وعطاني علم له ثمرة
ما يرخص عندي مضمونه = وأقول بعلمه وخبره
الزلفي فيه زغيويّة = أوي دحوش بجزرة
وأهل مغيرة مابهم خيرة = وأميرهم ذاك القذرة
من قابل خشم العرنيّة = فالخاطر منقول خطره
ومن قال أنا مثل سليمان = كرم السامع ياكل بعره
والخيس بويليد مسقى = ضبيب لاجي له بوعره
والفيحا ديرة عثمان = مقابلها ديار الزيره
وأهل جلاجل نعيميّة = ورا الباب مامن ظهره
وأهل التويم راس الحيّة = من وطاها ينقل خطره
وأهل الداخلة النواصر = خاطرهم مقطوع ظهره
ابن ماضي راعي الروضه = ياخذ منهم ربع الثمره
وابن نحيط راعي الحصون = الداشر رضّاع البقره
وأهل الحوطه وقصراهم = نصف خنيث ونصف مره
وأهل العطار عرينات = الله يقطع ذيك الشجره
وأهل العودة عند الندوه = عد أخيك وعد عشره
وأهل عشيرة منيعات = أوي رجال بذيك الظهره
وأما الحريّق جحرٍ ضيّق = ماياخذإلا اللي حفره
وأهل تمير قريريشه = ماشال العير شال ظهره
ونرى الشاعر قد جند نفسه ليكون مرآة للمجتمع
يا صبي افتهم من عويد فهيم = وفي كل غبة من الفكر عايم
أقول النصايح واعد الفضايح = عن اللي فعلها ولا أخاف لايم
وأعسف القوافي بسبك المعاني = واصخر صعبها بليا شكايم
كان عصر شاعرنا مليئاً بالفتن والحروب والاضطرابات السياسية
ولعل شاعرنا اوضح بعض الابيات عن تلك الحوادث التي ظهرت
في عصره ، لذلك نراه يقول :
الفتنه نايمه دايم = مار الاشرار توعيها
يشب الفتنه مقرود = وعلقها من لا يطفيها
فالي علقت ثم اشتبت = بالحرب نحاش مشاريها
تلحق برجال واجواد = دومٍ تنصى قهاويها
يشب الفتنه مقرود = نزعه شيطان وحلقة
فالى اشتدت معالبها = قفا ناير مثل السلقه
كسروا عظمة وخذوا ماله = خلوا عياله لهم لعقه
وخلي مقصاة ابن درمه = مختلط دمه بعرقه
وتحدث عن حال الرجل حينما يكبر
بالعون منيف قاله لي = يقول غلاك يو انك صبي
صدقتك منيف في قوله= وتبين لي ماكان غبي
شفت الشايب عند عياله = وام عياله مثل العزبي
لو يطلبهم ردة لقمة = قالوا مخلي وش ذا الصلبي
كلوا فيده وعادوه = عقب التمسك بالسببي
إحفظ مالك تجي غالي = حتى يلاقونك بالعتبي
أحد يقال له لبيه = واحد يقال له وش تبي
حتى ام عيالي زهدت بي=نسيت زماني وطربي
فقدت مني شئ مااطريه=على بهمي وعلى ركبي
لوهو يشرا كان اشريه = وارخص به مالي وذهبي
شف ظهيري موجعني=منقطع من حد حقبي
وهجوسي تسري بالليل= خةف من موت بطلبي
الدنيا عامرها دامر= مافيها خير ياعربي
صدرت وطويت العده = يعقبني من كان يبي
ويرى ان المال هو الضمانه
قال عود رمنه سنين مضت = زلّ عصر الصبى والمشيب حضره
حضره بالمجالس يتالي العصا = زهد فيه الولد والوعد والمره
من بقى معه مال فهو غالي= يكمسون الحصا بالعصا عن ثره
وأن بقا ما معه شي فهو خايب = قيل عود كبير وفيه الشره
فمن ابياته في الحكمة والتي تعكس اهمية المال لدى المجتمع
لو المال عند عنز شيورت = وقيل يام قرين وين المنزله
وبالنسبة لمسكنه فهو من بلدة القصب التي يسميها احيانا : بلاد الدعم وايضاً بدار ابن سيار والدعوم بني خالد
ايها المرتحل من بلاد الدعم - - فوق منجوبة كنها الجوذره
الى سرت من دار ابن سيار كنها - - سبرتات حزم صارخات ثعالبه
ولكنني وجدت هذا البيت في قصيدته المنتهية بالقافيه بـ ارسه
سبرتات حزم صارخات هجارسه
فيقول ناصر الحميضي من أهالي القصب:
"ومنزل حميدان الشويعر قريب من مزرعته التي كان يزرعها والتي كانت على حافة الوادي الرئيس في القصب والمسمى (الباطن) فهي واقعة بين شعبين من شعاب الباطن، بين السياري شرقاً والرفيعة غرباً، جرفها السيل حالياً ولم يبق لها سوى امتار قليلة وبشكل طولي لا تكاد السيارة تمر عبره.
اما داره التي يتناقل الكثيرين من أهل القصب انها فعلاً هي الدار التي كان يسكن فيها فتقع في الزاوية المطلة على الباب الرئيس لبلدة القصب والمسمى (باب الحوطة)، وسمي باب الحوطة نسبة لحوطة تقع غربه فيها بعض النخيل ولا يزال بقية من تلك النخيل قائمة حتى الآن.
ولم تكن دار حميدان الشويعر على الباب مباشرة كما هي عليه الآن الا بعد سد الباب الرئيس للقصب والمتجه غرباً وتحويله ناحية الجنوب لأسباب امنية ووقائع حصلت في نهاية القرن الثاني عشر الهجري.
ويبدو ان صحت الروايات ان حميدان الشويعر اتخذ داره في الجهة الشمالية الغربية لقربها من المزرعة فقط ولكي يسهل عليه الوصول اليها والعودة، والا فإن مساكن السيايرة الذين ينتمي لهم الشاعر حميدان عما يقال هم في الجزء الجنوبي الشرقي من القصب، اذ لا يعرف في هذا الجزء مساكن لآل سيار.
وربما كان هناك سبب آخر لا ندري عنه وهو نسبة الذي ربما يكون مع بني تميم الذين يسكنون هذا الجزء من القصب.
ولقد سكن الدار المذكورة في الوقت الحالي المتأخر حمد بن مسعد وتعرف الآن بدار (حمد) والمقصود هو حمد بن مسعد، ولا قرابة لهذا من ذاك، لأن حمد بن مسعد من قبيلة بني تميم، وحميدان الشويعر يقال انه من بني خالد.
ودار الشويعر المذكورة دار متوسطة المساحة وتعد من الدور الكبيرة في وقت مضى، كما انها تتكون من دورين وغرف علوية وسفلية ويشكل جدارها الغربي سور البلدة وحاميها الخارجي، ويوجد في خارج البلدة وبملاصقة جدار الدار مجالس الرجال الطينية التي يجلسون فيها في اوقات الصباح والعصر، والتي تعد (مشراقاً) للعديد منهم وخاصة كبار السن.
ولم تتشكل هذه المجالس الا بعد الأمن الذي حصل بعد فتح الملك عبدالعزيز وتوحيد البلاد، اما قبل ذلك فكانت المجالس داخل البلدة بجوار مسجد الشعبة وفيما يلي باب الحوطة من الداخل.
يعود عمر دار حميدان الشويعر الى ما قبل اربعمائة سنة وهو التاريخ الذي عمرت فيه البلدة التي تهدمت اليوم وهجرها اهلها الى المخططات الجديدة.
ولا نشك في انها قد طرأ عليها بعض التعديل والترميم وربما التقسيم والإضافة والتجزئة، لأن هذه حالة مساكن أهل البلدة جميعاً نتيجة ضيق مساحة البلدة وتزايد السكان جيلاً بعد جيل. لقد رحل السابقون وبقيت شواهد قائمة من اطلال دورهم كانت عامرة بالحركة واليوم هي في مهب الريح مفتوحة لها وعوامل النحت تزيل ما بقي منها يوماً بعد آخر، ويعرفنا بالشاعر ما قرأناه من شعره كما تشير داره لبقية من ذكراته التي لا نذكرها وإنما تقال لنا نقلاً عن السابقين والمؤرخين والرواة".
لماذا كان يسخر من ابنه مانع؟
كان مانع ابن حميدان الشويعر يعمل في مزارع القصب القديمة التي تقع شمال القصب
( العرعرية ... الحميضية ... الطالعه ... السياري ) وكان يقوم بجرد النخل وتلقيحها
وتخليصها وصرامها ثم يعطى أجره على عمله ... وغير الاجر يختار نخله من اطيب النخل
وكان من اشهر النخيل في ذلك الوقت السلج والخضري والصقعي والحلوه
فأختار مانع نخلة من تلك النخيل ... ولعل هذا الاختيار أدى الى خلاف بينه وبين
هلال ( أحد ابناء امراء البلده ) حيث تعدى هلال على مانع وضربه بالعصا على يده
التي ادت الى قطع احد الاعصاب ... كانت اشبه ما تكون بضربت السيف ...
فعابت اليد ... ولم يستطع مانع رد الاهانة ... ولم تأخذ السلطه حقه في البلدة
فلما سمع حميدان ما جرى ... بدأ بالسخريه على ابنه ووصفه بالجبن والخوف
مانع خيال في الدكة = وظفر في راس المقصوره
وان صاح صياح من برا = توايق هو والغندوره
واليمنى فيها فنجال = واليسرى فيها البربوره
والى ظهر يم السكة = تأخذ جوخته السنوره
بوم تفتش ثوبه تلقاه = نجس ثوبه من هرهوره
ومازال حميدان الشويعر يواصل السخريه والاستفزاز في ولده
وأما يده التي عابت أصبحت مشبوهه ... فقال عنها حميدان
كأنها مغرفة ... وفي يوم الايام جاءت حملة من البادية الى
سوق القصب ... يريدون بعض حاجياتهم سألت إحدى النساء
عن مغرفة لشرائها فقال حميدان الشويعر مشيراً الى ابنه هذا
الرجل لديه مغرفه ولكنه لن يبيعها بسهوله فأصري عليه واطلبيها
منه فلعله يبيعها ... فذهبت المرأة الى مانع وسألته عن المغرفة
فسألها عمن ارسلها فأشارت لابيه .. ففهم انه يقصد كفه المعبية
فيبدو انه يحرضه على الثأر
وبعد ذلك قرر مانع أخذ الثأر ... فسمع هلال ان مانع يخطط للثأر
وأخبر هلال زوجته ان تتفحص كل شي يدخل البيت حتى الاغنام
فدخل مانع مع الاغنام بعدما لبس جلد خروف ... وتسلل داخل
البيت الى حين ادراك هلال وقتله ...
وكان حميدان يراقب الحدث هو و زوجته وابناءه خارج البلده
فقد عرف حميدان ان الثأر تحقق بعدما راى النار اوقدت وبعد
فترة أنطفت ... (لان الحكام لا يشعلون النار الا اذا حدث صوت
مفزع او اي حادث فأن استمرت النار مشتعلة معنى ذلك ان
الاصابه بسيطة اما اذا اشتعلت ثم أنطفأت فالمصيبة هنا كبيره )
قرر حميدان الشويعر الرحيل من البلده هو ابنه خوفاً من القصاص
فعند وصوله الى جنوب بلدة القصب قال هذه الابيات متمنياً زوالها
تماماً ويتمنى البعد عنها فذهب الى أثيثية .. والتجأ عند أهلها :
الا يا نخلات لي على جال عليم = حدايق غلب شوفهن يروع
تقللت عن دار وربع ومنزل = وقبلتها جثو التراب كسوع
فلا يا عاير القصب الجنوبي ليتني = اشوقك منحدر السراب لموع
وبالتالي لجأ حميدان وعائلته لأثيثيه ، حيث انطلق المثل "جن وثيثيه باسم الله"
فهاهو يمجد اهلها
زبنت لأولاد العزاعيـز ديـرة=لهم في ذرى عالي تميم فروع .
ولقد لاحظ حميدان الشويعر ان أمير ثرمدا يفرض على اثيثية بعض الضرائب والاتاوة ولقد أذل اهل البلدة فيأخذ من اطايب الثمر ويأخذ كل جمعة لحم جزور، وهذا الوضع لم يعجب حميدان ولا يرضاه لأحد فأخذ يحرض أهل البلد على التمرد والخروج على أمير ثرمداء وقال أبيات تثير حماس أهل البلدة.
ديرة للعزاعيـز سقـم الحريـب=علها الله بوسـم وصيـف قفـاه
عمهـم يانديـب بسـلام جميـع=عدما هـل وبـل وهبـت هـواه
قل لهم شوري اللي مضى من قديم=بالهـم يخلفونـه يجيهـم قضـاه
احربوا واضربوا دون حدب الجريد=واذكرو قول حاتـم ولاشٍ سـواه
من ذبح دون ماله فحـال شهيـد=وان حيا بالسعادة وله كبـر جـاه
جدكـم رخمـة ماكـر للطـيـور=لهـس ... كـل حـلاوي نـمـاه
وأظهر الله عيالـه وسبـب لهـم=شور عـود فهيـم قليـل خطـاه
أفطموا من فطم ديـد مـن قبلكـم=فطمة الورع عن ديده اللي غـذاه
لكن لم تحرك هذه الابيات أي ساكن بل استمروا على وضعهم ولديهم الرغبة لكن تفكيرهم بالعواقب منعهم من ذلك، حاول الشاعر مراراً وتكراراً، وفكر في وسيلة وهي الطريق الوحيد، لكن هذه الطريقة تحتاج إلى وقت لكن هي الحل الوحيد، فذهب الى أمير اثيثية واشار عليه برأي وهو ( ان يتزوج من بيت أصيل كريم في بلدة اخرى غير اثيثية ) ( الرواية التي اعرفها هو انه اشار عليه بالزواج من امرأة مقعدة ولكن اهلها مشهورين بالشجاعه حتى تنجب له أولاد شجعان )رحب امير اثيثية ونبه حميدان ان الرجل الكريم سوف يعيب ابنته بأنها عرجاء عوراء فعليه ان يقبل. وفعلاً ذهب وتم الزواج بشكل مبسط سريع، وانجبت بنت المرأة ولدين وكبرا وصارت أمهما تعتني بهما وتمشط شعرهما بالطيب والعنبر ، فأخذ حميدان يترقب الشابان ويشاهد بعض علامات النبوغ والشجاعة وصارت إمارة اثيثية لهما بعد ان كبر والدهما وذهب حميدان إلى أم الشابين ذات يوم و معه إناء مملوء ( بخثاء البقر) فقدم لزوجة الأمير فأخذته وسألت لماذا هذا؟ قال حميدان : الأولى ان تمشطي أبنائك ( بخثاء البقر) لأنهم رضوا بالذل من امير ثرمداء فهمت الأم وأخذت الوعاء ذكرت ذلك لأبنائها فلتقاء حميدان بالشابان ورسم خطة محكمة للثورة ودرست جميع الاحتمالات وتم العزم على التمرد والثورة فأتي اليوم الموعود وهو ان كل جمعة يأتي خادم أمير ثرمداء ويأخذ لحم جزور ومن اطيب اللحم فقاموا بقتل الخادم وقطعة نصفين وتعليقه في" خرج الحمار " ورجع الحمار الى ثرمداء وعندما فتحوا الخرج وجدوا جسم الخادم فثارت ثرمداء عن بكرة أبيها واجتمع الفرسان ورقصوا رقصة الحرب " العرضة " وقرعت الطبول واجتمع كبار وشباب ثرمداء وكلهم محتمي بسلاحه، وجهزّ اهالي اثيثية عدتهم وقام الفرسان بإستعراض قوتهم واختاروا مكان المعركة الفاصلة في تاريخ بلدتهم واختاروا مكان مناسب للطراد والفروالكر واجتمع الجيشان والتحم الفرسان وأيقن اهالي ثرمداء بالنصر وبدأ اهالي اثيثية بالتراجع لأن عددهم اقل من اهالي ثرمداء وعددتهم اقل شأناً من خصوصهم و ما أن قارب اهالي ثرمداء النصر لم يشعر الجمعان إلا بقوة ثالثة تأتي من خلف أهالي اثيثية تتألف من الكراديس من الخيل البلق ويركبونها فرسان ملثمون لا يعرفون الخوف ولا ينازلون قرناً إلا أطاحوا به في ميدان القتال وانقلبت الموازين وتغيرت النتائج وبدأ اهالي اثيثية بالتقدم واهالي ثرمداء بالتراجع وانتهت المعركة بإنتصار قوي وكبير لأهالي اثيثية البلدة الصغيرة على بلدة ثرمداء الكبيرة، وفي رواية اخرى فإن خطة حميدان تنص على مايلي:
- تلبيس الأحجار في سفوح الجبال بثياب الرجال وتوقيفها فعند الغروب من رأها ظنها رجالا رماة ، وطلب
من بعض الرماة الكمون خلف هذه الحجارة
- ملاقاة فرسان ثرمدا بعدد قليل ، ثم ينهزم هذا العدد باتجاه الوادي الذي تحيط به السفوح التي بها الأحجار
التي البست ثياب الرجال
-حينما توسطوا الوادي ، التحق بالفرسان القلائل بقية الرجال ، وبدأ الرماة يصوبون جيش ثرمدا من كل جانب
ففوجئ فرسان ثرمدا بالرمي من كل الجهات ، وهم يعرفون ان اهل وثيثية قله ، فخيل لهم ان الجن يساعدون اهل وثيثية ، فهربوا وهم يصيحون "جن وثيثه بسم الله"
ولم تقم لثرمداء قائمة ولم تستطيع فرض قوتها مثل السابق ولم تستيطع أخذ الاتاوة والضرائب على اثيثية وبقيت هذه المعركة خالده في تاريخ الوشم تتناقلها جيل بعد جيل، وبقى سر الفرسان الملثمون لم يفسر بشكل قطعي إلى وقتنا الحاضر فبعضهم يقول انها قبيلة من الــجــن كانت تسكن مزارع اثيثية وتعود العلاقة ان إمرأة من اثيثية وجدت طفلاً صغير في أحدى المزارع وعرفت انه من الجن وكان يبكي من الجوع فقامت بإرضاعه والعناية به حتى صار يدعوها يا أمي وكبر هذا الجني وطلب من أمه الانسية إذا احتاجت الى مطلب ان تأتي إلى هذه المزرعة وتنادي ( ياسحلول) وفعلاً عندما شاهدت الإمرأة جيش اثيثية يحل به الهزيمة ذهبت مسرعة الى المكان وخلعت خمارها " شيلتها " ونادت بإسم ولدها الجني وحضر وأخبرته بالمصيبة وذهب الجني واحضر فرسان قومه ودخلوا المعركة وكانت لهم بعد الله الفضل في انتصار بلدة اثيثية(هذه الرواية غير معقوله) . اما التعليل الثاني ان الشابين استعدوا وطلبوا من خوالهم ان يعينوهم وفعلاً حضر فرسان بلده خوالهم واختبئوا في مزارع وخرابات اثيثية وبعد ان شاهدوا ملامح انتصار ثرمداء دخلوا المعركة بسرعة خاطفة وبقوة ضاربة ( هذه اقرب للصحة
فأخوالهم حسب بعض الروايات هم من قبيلة حميدان)