بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلام كبير جداً ...لمن يريد أن يعرف الحقائق يقرأ هالكلام حتى ولو كان طووووويلاً لأنو يختصر لك أشياء كثيرة جداً
إسماعيل هنية رئيس وزراء فلسطين .. إمام و خطيب المسلمين هناك
و السلطان اردوغان رئيس وزراء تركيا .... رجل يعيد ذكريات الخلافة الإسلامية
هاتين الصورتين صفعة قوية لكل صهيوني و لكل منافق و كافر بل لكل قوى الشر
"فلتقهر إسرائيل".. الأيدي متشابكة.. والحناجر هادرة على بعد خطوات من قبر السلطان محمد الفاتح..مشهد غريب لم يألفه الأتراك كثيراً منذ سعت الحكومات المتعاقبة على إدارة ظهرها للإسلام.
قبل شهور، مشهد آخر، "رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان يترجل من سيارته ويشترى سميطا من البائع ثم يعطه الثمن ويزيد عليه قليلا، فيرد عليه البائع قائلا: " لا داعي لهذا يا خال"!!
ما الذي تغير الآن؟!
في "الشرق الأوسط" هناك نموذجان فقط من رؤساء الوزراء يفعلان ذلك؛ فإلى الجنوب يؤم إسماعيل هنية المصلين في صلاة القيام ويخطب الجمعة بهم أحياناً، وتنتشر عبر المجموعات البريدية بمئات الآلاف من المشتركين صوراً لما يدعونه تظرفاً بـ"قصر رئيس الحكومة الفلسطينية"، الذي ليس سوى بيت متواضع يضم أثاثاً أكثر منه تواضعاً.
وبين "السلطان" المتواضع والزعيم الفلسطيني الخافض جناحه للمؤمنين، قواسم أخرى مشتركة لعل أبرزها مقتهما المشترك للكيان الصهيوني وممارساته النازية، وحيث يعبر الأول عن ذلك بأدبيات الإنسانية وحقوق الإنسان، يتحدث الثاني بعبارات أكثر صراحة مستشهداً بالآيات والأحاديث عن مشكلة ممتدة عبر القرون بين المسلمين واليهود.
إن حكومة رجب طيب إردوغان قد تمكنت ببراعة من قلب الطاولة في وجه "إسرائيل" وتوجيه صفعة دبلوماسية وسياسية فائقة للأوروبيين في دافوس، إذ أمسك السلطان بعريضة اتهام ضد الأوروبيين تثبت نفاقهم بمسألة حقوق الإنسان حينما صفقوا للمجرم بيريز في مؤتمر دافوس في وقت يتمحك فيه الأوروبيون بالسجل الحقوقي لتركيا للحؤول دون انضمامها للاتحاد الأوروبي.
"سوف لن أعود إلى دافوس مرة أخرى"، هكذا قال السلطان وهو يغادر المنتدى الاقتصادي ملوحاً بأن تركيا هي التي بدأت تزهد الآن في الاتحاد الأوروبي وتتجه إلى الجنوب بخطى حثيثة.
الجنوب في الحقيقة في حاجة متنامية إليها بخلاف الأوروبيين، واللحظة كانت مواتية ليبدأ رئيس الحكومة التركي أولى خطواته نحو استثمار الفراغ الناجم عن الضعف الأمريكي والتغول الفارسي وحاجة العرب أكثر من أي وقت مضى إلى نفوذ "الباب العالي"، والطريق إلى هذا النفوذ يمر ولا ريب بطريق غزة السريع، وقد كان إدروغان على أول الطريق منذ بدأت الطائرات الصهيونية تلقي حممها على غزة عندما كان العام الراحل يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لقد شعرت مصر لأول مرة بالحاجة إلى قوة إقليمية بحجم تركيا للاستناد إليها في مهمة كانت ولم تزل تمسك بمعظم أوراقها، وسرعان ما لبى إردوغان الطلب الذي يعد نقلة جديدة في إرهاصات تشكيل الخريطة الجديدة لقلب العالم الإسلامي، واستطاع استثماره أولاً في تجسير العلاقة الشعبية بين الأتراك والعالم العربي من جديد، ثم عبر دبلوماسية أحمد أوغلو المستشار السياسي لرئيس الوزراء.
وكانت اللحظة مواتية تماماً لمثل هذا المسعى نحو الجنوب العربي، وفي الاعتقاد أن رجب طيب لم يسعَ يوماً ما إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإنما كان يريد تحقيق جملة من المكاسب الداخلية عبر هذه الدعوة التي رفعها شعاراً لحملته الانتخابية في المرة الأولى؛ فالواقعية تفضي إلى الاعتقاد بأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو درب من دروب الاستحالة في ظل الخلفية ـ والخلافة السابقة ـ الإسلامية لتركيا، وتوافرها على أضخم جيش أوروبي، وتأكيد كبار المسؤولين الأوروبيين خلال الأعوام الماضية صراحة على أن قارتهم ليست إلا "نادٍ مسيحي" لا يصلح أن يضم بين أعضائه بلداً مسلماً (لاسيما إذا كان بحجم تركيا ذات البعد الإسلامي والكثافة السكانية، وإنما أراد إردوغان من لافتة الاتحاد الأوروبي أن تكون جسراً للنجاح في الانتخابات من جهة، ومن أخرى في كسح مراكز القوى العلمانية الواحدة تلو الأخرى من طريق سياساته الداخلية والخارجية، وهو وإن لم ينجح في الأخيرة تماماً إلا أنه قد تمكن من قطع خطوات كبيرة في هذا الاتجاه.
في الاعتقاد أن إردوغان استخدم المسألة الحقوقية وإطلاق الحريات الأساسية للأتراك كشرط أوروبي للانضمام للاتحاد الأوروبي في تثبيت أركان حكمه وفي سن قوانين وإجراءات تمنح الفرصة للتغيير الإيجابي المتساوق مع تطلعات الشعب التركي الإسلامية أو على الأقل سعى لتشجيعه لإعطاء حكومته هامشاً واسعاً من الحركة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية، واضعاً نصب عينيه أنه لا يحكم تركيا حقيقة وإنما يحمل تفويضاً في ملفات معينة لا يمسك العسكر والقضاء العلمانيين بتلابيبها؛ فكانت مسألة الحجاب، والمدارس الدينية، والامتناع عن استخدام الأمريكيين الأراضي التركية لشن العدوان على العراق، ثم الموقف الأخير من العدوان الصهيوني على غزة والذي استثمره، حزب العدالة والتنمية على الصعيدين الشعبي الداخلي والسياسي الخارجي على أكمل وجه.
وفي تلك الأخيرة، أدار إردوغان السهم إلى ثغر خصومه، حينما اتهم الساسة الأوروبيين بالنفاق والتصفيق لقتلة الأطفال، مع أن إردوغان في الحقيقة يحمل ثقافة إسلامية أدخلته السجن يوماً ما بسبب قصيدة ألقاها تتحدث عن المآذن عندما تتحول لحراب (ولو لم تكن القصيدة هي أكبر ما ينقم عليه بها الخصوم العلمانيون) ولم تكن تلك الثقافة التي أبكت الرجل وهو يعود الجرحى الفلسطينيين في مستشفيات تركيا قاصرة على مجرد إبداء التعاطف الإنساني؛ فالحاصل أن رئيس الحكومة التركي آخذ في إنضاج سياسة خارجية تجاه العرب يتوقع لها أن تغير خريطة المحاور والتحالفات في "الشرق الأوسط".
صحيح أن ثمة من يدرج التحركات التركية الأخيرة في سياق مسعى أمريكي نحو التصدي للتمدد الإيراني عبر تعزيز العلاقات التركية العربية لاسيما مع مصر والسعودية، لكن ذلك يتصادم بالتباطؤ الأمريكي في لجم إيران وأطماعها الفارسية التوسعية والذي لا يبدو معه أن واشنطن متحمسة لتحقيق حلف كهذا لاسيما وأنه يسير ضد عقارب الساعة الأوروبية التي سعت مراراً لقطع الطريق بين أنقرة والقاهرة خلال القرون الماضية بغية شطر النواة الإسلامية الأقوى في العالم التي يمكن أن تدور في فلكها دول إسلامية عديدة.
لكن مع ذلك، وحتى لو سلمنا جدلاً بأن التحرك التركي متناغم مع الإرادة ـ والإدارة ـ الأمريكية، أو أدرجناه كذلك في سياق رغبة تركية في الإفادة من ضعف النظام العربي في تعزيز نفوذها في الإقليم من دون أن يكون لذلك أي نية قيمية لاسيما إسلامية، وأخذنا الحديث عن "أحفاد العثمانيين" الذي كرره إردوغان على محمل شوفيني محض؛ فإن الناتج في النهاية من الممكن أن يغير المعادلة تماماً لو استمر هذا الرجل في منصبه.
وإذا كانت الشوفينية بمعناها القبيح ليست صفة واضحة في رئيس الحكومة ولا في حزبه ذي الجذور الإسلامية؛ فإن غالب الظن أن تركيا لا تريد أن تلعب دوراً لمصلحتها وحدها في المنطقة، بدليل أنها لم تطرح نفسها كبديل عن الدبلوماسية المصرية، وإنما مساندة لها في مفاوضات ما بعد غزة.
الذي تغير في تركيا أن الحكم فيها آخذ في لعب دور في العالم العربي، على خلفية الاستقلال عن القرار الأمريكي والصهيوني، وبعدما كان خصماً من العالم الإسلامي بحلفه الوثيق مع "إسرائيل" صار على الأقل وسيطاً بينها والآخرين، بل وينحاز إلى حركة حماس التي اعتبرها رئيس الحكومة التركي أكبر كتلة برلمانية فلسطينية وبالتالي فمن حقها أن تحكم مناطق السلطة الفلسطينية، وربما كان على يمين مصر في تعاطيه مع الشأن الفلسطيني، وهذا هو الجديد في تركيا/إردوغان، وما لاحظه المراقبون من تطور هائل في تعاطي تركيا مع القضية الفلسطينية/القضية الأولى في العالم الإسلامي، ليس هذه الملايين الهادرة في شوارع اسطنبول إبان العدوان على غزة فحسب، وإن كان هذا تحولاً دراماتيكياً لم يسبق له مثيل في العاصمة التاريخية لتركيا، ولا حل جمعية الصداقة التركية/"الإسرائيلية" في البرلمان التركي بعد انسحاب جميع أعضائها (305 عضواً) تباعاً من عضويتها حتى تناهت، ولا الموقف المساند للحق الفلسطيني في مقابل الصمت العربي الرسمي فقط، وإنما ـ إضافة إلى كل هذا ـ في أن حكومة إردوغان تمكنت من تجييش شعبها خلفها في تحولها الاستراتيجي، الذي بدا أنه لم يتصادم لحد الآن مع القوى العلمانية القوية في البلاد على أرضية الإفادة من الموقف على الصعيد الاستراتيجي وتحقيق مصالح تركيا في الإقليم، بعدما توازت في تلك اللحظة المصالح الإسلامية والقومية لتركيا في تعزيز العلاقات مع العرب وحدها مع الصهاينة وتقريع الأوروبيين الرافضين لانضمام تركيا الفتية إليهم؛ فيما الأزمة الاقتصادية عاصفة بالجميع.
وهذا التجييش قد فاجأ العالم الإسلامي، في أنه رفع من شعبية إردوغان ونظامه ذي الجذور الإسلامية ليس في تركيا وحدها التي استقبلت رئيس حكومتها العائد من دافوس وقد استرد لها كرامتها الإسلامية والوطنية بعد عقود من الركض التركي خلف الأوروبيين دونما جدوى، وإنما انسياب هذه الشعبية في سائر البلدان العربية التي شهدت ترحيباً كبيراً بانسحاب إردوغان من دافوس حتى غدا الرجل لدى البعض "سلطاناً عثمانياً" وبايعه كثير من الشباب في موقع فيس بوك خليفة للمسلمين!!
غير أن براعة الرجل وأركان حكومته ليست في هذه فقط، بل في كونه قد استطاع أن يقود الجموع مرحبة بدعوته للانضمام إلى أوروبا، ويعود بهم فيؤيدونه وهو يقول في دافوس: "سوف لن أعود إلى دافوس مرة أخرى"، مبرهناً على أن السياسة ليست فقط فن الممكن بل هي كذلك فن المستحيل.
إردوغان، هو ذاك الرجل الذي تستقبل بلاده محمود عباس في أنقرة، ويتحرك حزبه في مظاهرات تقول: "أخرج من تركيا يا عباس الخائن"،"اخرج خارج تركيا عباس"،"نحن نسلم على حماس ولا نسلم على عباس"، وهو على وشك استقبال بلاده لقادة حماس والجهاد ضمن مؤتمر نصرة غزة في اسطنبول. وهو الذي يرسل موفده لاستكمال صفقة شاليط في دمشق، ويحاور القاهرة ودمشق معاً، ويقرع بيريز في دافوس، ويتوسط في الصفقة بين حماس و"إسرائيل". وهو الذي يقترب من القاهرة ولا يجافي طهران (وإن كانت هي على وشك معاداته كلية).
وهو الرجل الذي يخطو خطوات حثيثة نحو ريادة وطنية وزعامة إقليمية لم تتوافر لحاكم تركي منذ عقود طويلة، لاسيما والعرب قد باتوا بحاجة لغطاء إقليمي بعدما أضاعوا كل فرص الوحدة والاستقلال والكرامة، والرجل ـ لو لم تعاديه القوة العلمانية الفولاذية ـ مرشح لموازنة الدور الإيراني المتنامي في المنطقة العربية