بـــدا له الليـــل طويلاً لا نهايــة له في فراشـــه ... النوم جافـــاه ... والســـاعات تمر
بطيئــــة ثقيــلة ممله إلى درجة الوجع ... تتصارع الأفكــار في ذهنــه ولا سبيــــل له إلى
طردها .. تقلب يمنـــه ويســرة ... المــلاءات الحريرية التي تغطيـــه أحسهـــا
أشواكـــاً تــؤلم بوخزها كل خليــــة عصبيـــة في كيانه ... وتحوله لكتلة من التوتر
والغضــــــــب ... وضـــع يديـــه تحت رأســـــه وفــتــح عينيــــه على وسعهـــــا ... الضــــوء
الخـــافت الذي ينيــــر الغرفة جعل للأشيـــاء فيهــــا مظهراً مختلفـــــــاً ... أحس أن
كل مـــا حوله يحدق فيه يحنــق وكأنه قد عرف دخيلة نفســــه ... يئـــــــس مــن أن يجـــد
النـــــوم لعينيــــــــه سبيلاً ... فنهض غــاضبــاً ... ضرب الأرض بقدميه وهو يقـــف ... تناول
علبــــة السيجـــار الفاخــر من على طاولة صغيرة بجـــانب ســـريره ...
في الركن القصي من الغرفـــة ثمـــة كرسي هزاز ... جلل باالســواد إلى حد مــا شعـــر أن ذلكـ
الســـواد يريحـــه ... توجه إليــه ... وألقى بجســـده المنهـــك عليــه أشعــل سيجـــاراً .. حاول
أن يسترخي ... من بيــن سحــب الدخـــان ألقى نظرة خاطفة عليهـــا ...كانت تنــام في سريـــرها
نومـــاً عميقـــاً هــادئـــاً كالأطفــال .. أرخى ذراعه والسيجـــار مـــــا زال فيها على يـــد
المقعــد .. رغم عنــه بدأ يتأملهــا ... هالة نورانية من الجمـــال والطيبـــة الملائكيـــه تحيـــط
بها ... إحســــاس مخملي بالأمــان والطمأنينة يتــردد مع أنفاسها ... ولعل هذا أكبــر سبب
لقلقه وتوتـــره ... لمـــاذا تحبــه وتثق به ... لماذا لا تبصر ذلك الوحش الســاكن في أعمــاقه ...
أعاد ظهره للوراء ... غاص في لجة الذكريـــات .. تتابعت الصور في مخيلته .. كم أحبهاااا ..
كان سيجن تمامــاً لو لم يتزوجهــا ...لقد كان يحسد نفسه أحيـــانا على عمق السعاده التي
يحياها ... وجد فيهـــا الحبيبه .. الصديقـــة .. الأم ... الأخت .. كان يجدها دائمــا
حوله ... كاالحمامة البيضـــــــاء تنشـــر ألوان الفـــرح والدهشــــة والعفويـــة في كل مكان
تحلق فيه ... كــم مــلأ عينيــــه بجمالهــا الأخاذ .. وسبح في بحر عينيها هائما مبهوراً .. كم
أسعدته بخفة ظلها وجمال روحها .. وحسن رعايتهـــا له .. لقد أحبته هي الأخرى
بكل مايعنيه الحب .. أحبته حتى صهرت ذاتها في كيانه .. فكـــان هو عينهــــــا التي تبصر
بهــا .. وأذنهــا التي تسمع بها .. ولسانها الذي تتحدث بـــه .. وقلبهــــا الذي ينبــــض بحبه
وعشقه الأبدي .. أعطتــــه فوق حدود العطـــاء .. ضحـــت من أجلــه بالكثيـــر
وهي سعيــــدة .. لم يكن يزعجهـــا أبدا أن تفقد أشيـــاء تحبهـــا ما دام ذلك يرضيــــه .. لقد كانت
هناءته ورضاه غايـــة ما تصبـــوا إليـــه .. غمرته بكل شئ رائــــع .. حاصرته باهتمـــامهـــا ..
ولهفتهـــــا حتى اختنق .. اختنق من الكمــال الذي يحيـــط به .. أخذ يبحث عن فجــــوة فيهـــا
خلل مــــا .. ثغرة تدخل منهـــا أي مشكلــــة .. لعله يتنفس من خلالها .. فلم يجـــد .. استيقظ
الوحش المتمرد في صورة ضـــاق بقيوده الذهبية .. عذبه الملل .. لم يعد أي شئ فيهــــا
ومنهـــا يريحــــه .. وجههـــا الذي كان لا يطيـــق عن رؤيته صبرا أصبح بنظره قبيحا منفرا ..
رغم ان أي شئ فيه لم يتغيــر .. نظراتها التي طالما غمرته بالدفء والحنان صارت
بالنسبة له سياطا لاسعه تمـــزق كل جارحة فيه .. أضحت حيـــاته معهــا كابوسا مخيفا يجثم
على صدره ويضيق عليه الخناق كل يوم أكــــــــثر فــــأكـــــــــــثر..........
عاد لسيــجاره الفخـــم ... وجده قد صار كتلة طويلــــــــــة متصلـــة مـــن الرمـــاد ... كتلــــة
يخيـــل للناظر إليهــــا أنهــا متماسكة بإحكام ولكنهـــا في الحقيقه مختلفة الروابط مــن الداخل ..
تملؤها تجاويف خفية .. هزها بأصابعــه هزة خفيفه فتناثـــر الرمـــاد في كل اتجــاه .. بهدوء
وخفـــة دون صوت أو ضجيــج ... تهاوى ذلك الرمـــاد في الظلام حتى تلاشــــــــــى وضــــاع ...
ذكره ذلك المشهـــد بحيـــاته معهــا ... حاول أن يقنع نفســــــــــــه ... هكـــذا يجــب أن
تنتهـــي .. بهدوء و دون ضجيــج وإن استمرت فستكون دائمــا على حافة الانهيــار ... أضعف
هزة تقضــي عليـــــــــها ....
همس لنفسه بصوت يكـــاد يكـــون مســــموعا .. ولم لا ... ماالمــانع مــا دام لدي مــن
الأمــوال ما يكفي لإعاشــة عشـــرين أسرة ويزيـــــد ... لماذا لاتكـــون لي زوجة ثانية وربمــا
ثالثة ورابعــة ... فأنتقل بينهن كما تنتقل الفراشـــة بين الزهـــور ... فإن مللـــــت من هذه فلن
أمــل مــن الأخرى ... وإن جادلتني الأخرى فسوف تريحـــــــــني تلك ... نبهـــه من غمـــرة
أفكاره ضــــــوء فضـــي خافت ينبعــث من شاشة هاتفه الجوال ... كان الهـــاتف بجوار
سريره ... ســـار على أطراف أصابعـــه قرأ (( الرسائل الوارده )) .. تهللت أســاريـــره ..
وابتســــامة واســـــعة مـــلأت وجهه ... مشى بهدوء متجهـــا نحو بـــاب الغرفة ليـــخرج ..
فجــأة .. صوت زوجتــــه ... مــابك يــــا حبيبي ؟؟ سلامتــك لمـــاذا لم تنم ؟؟ .. التفـت
مـذعوراً .. كــانت قد استوت جالســـة في ســريرها .. أجـــاب بجفــــاء .. لقــــد أخـــذت كفـــايتي
من النــــوم ولدي بعــــض الأعمــــال المتـــراكمـــة وسأحـــاول أن أنجــزهــا .....
مشت نحوه .. سوف آتي معــك يا حبيبي لأعــد لك مشـــروبا ساخنــــاً ريثمـــا يطلع
الفجـــر ... صرخ بهـــا غاضبـــاً ... عودي لفراشك لقد تراجعـــت ... لن أخــرج مــن الغرفة
ولن أنهي أعمـــالي ... فــقــط دعيني وشــأني ... لوهلة خاطفــة امتلأت عيناهــــا بالحــــزن
والحيـــرة ... ولكــــن ســـرعان مـــا تبــدل ذلك بنظــرة جــامدة خاليـــة مــن أي تعبيـــــــــر ..
همست بهدوء كمـــا تشـــاء يـــا عزيزي وكم يؤسفني أنني أغضبتك .. عادت لفراشهـــا وعاد
هو للكرسي الهــــــــزاز .. فتح الرســـاله .. (( حبيبي لم أستطــع النــوم .. منذ أن
وضعــت سماعة الهـــــــاتف في المســـاء وأنــا أنتظر المكالمـــة القـــادمة على أحر من
الجمــر .. شوقي وحنيني إليــك )) ..
سعـــادة عظيــمة غمــرت كيانه .. اتسعـــت ابتســامته .. كتب لهـــا .. (( كلها أيـــام ونلتقي تحت
سقــف واحد .. وحينها .. لن يعذبنا البعـــدوالفــراق .. وكمـــا تعلميــــن فقد طبعـــت بطاقات
الدعوة وحجزت قاعة الأفراح ..وكل شئ يسير على مــايرام )) ..
ردت عليــه ..(( وزوجتك .. ماذا عنهـــا .. ألن تخبرها حتى تحدد مصيـــرها معك منذ الآن )) ؟؟
عاد ليكتب لها .. (( دعكِ من هذه الســاذجة عندما تعلم بعد أن يتم كل شئ << هـــذا إن
علمــت **** فسوف أكون أنــا صاحب القرار في مصيــرها ... وصدقيني سوف ترضخ وتبقى
بجانب أطفالها لتنتظــر عودتي ولو بعد خمسيـــن عاماً .. اطمئني .. لقد عملت حساب
كل شئ بدقة متناهيــــــــــة )) ...
ولم يكن يعلم أن مالم يعمل حســـابه أنه لو أصغى سمعه قليـــــــــــــــلاً لسمـــع صوت نشــج
زوجتـــه المكتـــوم وهي تعض على الشراشف بنواجذها لتكتم عنـــه صوت بكائهـــا ... وقد
غــرق شعـــرها ووسادتهـــا في بحر الدمـــوع .. وما لم يخطــر له على بال
أنه لـــو فتــح دولاب الملابس لوجد حقيبة ملابس امتلات عن آخــرها وفوقهـــا إحدى بطاقات
دعوة زواجه وقد كتبت عليـــها بقلم أسود كسواد أيام قضتها معه .. (( زوجي العزيز .. سوف
أخرج من حيـــاتك إلى الأبــــد .. لاأريـــد المـــال ولا الأولاد أريــــــــــد
شيئا واحدا .. الطــــــــــــــــــــــــلاق )) ثم توقيعهـــا وتحته تاريـــخ يوم زفافه ..
انتهت قصة السعادة الممــــــــــــله 000
كتبتها :- هنوف الجوف