وضع الله بينه وبين عباده قاعدة أساسها قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ومفادها أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه؛ فيوم أن تضيق الحياة بالعبد، وتسد أمامه السبل، ولا يجد مخرجا مما هو فيه ومما يعاني منه من أزمات؛ فلا يبقى له إلا الله، شريطة أن يتوجه إليه العبد بالدعاء، يسأله أن يعينه على قضاء حاجته وتفريج كربه وإزالة همه وغمه؛ فيجده قريبا مجيب الدعاء، ويكون لجوؤه إلى الله بالدعاء سببا في لقمة عيشه، وزواج أولاده، ورخاء بلاده وأمته.
أثار الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بالأزهر الحديث عن دور الدعاء في رخاء الأمة وصلاح الأحوال الاقتصادية على مستوى الفرد والجماعة على السواء، في الحلقة النقاشية حول "الدعاء الاقتصادي" التي عقدها مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر في نهاية شهر مارس الماضي؛ حيث أكد أن الرخاء الاقتصادي يتطلب من المسلمين جهدا ماديا في الإخلاص للعمل، ويقينا إيمانيا في الدعاء، وهذا يعود بالنفع والسعة في الرزق والبركة على مستوى الفرد والأمة.
ولكن.. ما مدى استشعار الناس وتأثرهم بهذا الكلام في حياتهم العملية؟.. هذا ما يحاول التحقيق الإجابة عليه...
حدث بالفعل..
محمد سالم -داعية- يحكي لنا فيقول: إنه ذات مرة جاءه رجل غاضب يبكي بحرقة على حاله وحال أولاده.. فمنزله أوشك على الانهيار، ولا بد له أن يتركه، وإلا مشى في جنازة أولاده الذين يتوقع سماع خبر وفاتهم لأنه خارج البيت معظم الأوقات.. قال لي بحدة: ماذا أفعل؟ يجب أن أشتري شقة لآوي أولادي قبل أن يضيعوا مني.. وأنت تعلم بضيق الحال.. دلني يا مولانا.. هل أسرق؟!.. فربت على كتفيه، وسألته أن يتوضأ ويصلي لله في جوف الليل، ويتذلل إلى خالقه بالدعاء، يسأله أن يفرج عنه ما هو فيه.. وما إن قلت له ذلك حتى باغتني بسؤاله: هو ربنا عنده شقق؟!! فقلت له مبتسما -الكلام للداعية-: طبعا.. وعمارات كمان!!
فجاءني صباحا والسعادة بادية في عينيه، يقول: صدقت يا مولانا.. ربنا عنده شقق وعمارات.. فبادرته: كيف؟! فقال: واحد غني من أبناء المنطقة فوجئت به صباحا يطرق باب بيتي وأنا لا أعرفه.. قال لي: إنه بنى عمارة جديدة.. وكانت هناك عقبات في تراخيص بنائها.. فنذرت لله أن أهب شقة في سبيله إن تيسر الأمر.. فيسر الله لي الأمر، وانتهت مشكلة التراخيص، وعرفت من بعض أبناء الحي أنك في حاجة إلى شقة.. فهل تتكرم وتقبلها مني؟!!
وهذا أيضا هو ما وقر في قلب آمال -ربة منزل- يوم أن تعسر بها الحال.. وأغلقت أبواب الرزق في وجه زوجها.. وعانت من ضيق ذات اليد.. ولم تجد في سؤال الناس حلا لإنهاء أزمتها.. فالتجأت إلى الله تدعوه أن ييسر لها ولزوجها سبل الرزق الحلال.. وأن يفتح لهما أبواب رحمته..
تقول آمال: "صرت أدعو الله في كل وقت وحين.. ولا أسهو لحظة إلا وأتذكر ما أنا فيه من كرب، فيلهج لساني بذكر الله والدعاء له بأن يفرج كربنا.. ولم تمض فترة طويلة إلا ويسر الله لزوجي فرصة عمل تمكن من خلالها تسديد ديونه والإنفاق على أسرتنا الصغيرة.. ولن أنسى ما حييت فضل الله ورحمته.. فلا يزال قلبي ولساني يحمدانه على نعمته".
أما محمد أحمد -عريس جديد- فقد واجه ما يعاني منه شباب اليوم من ارتفاع تكاليف الزواج وغلاء المهور ونار الأسعار، لكنه استعان بالجد في العمل والدعاء..
يحكي محمد يقول: "سهرت الكثير من الليالي في العمل في فترة ما قبل الزواج لأستطيع تأمين ما يلزم من نفقاته.. وكنت غالبا ما أستقطع وقتا من الليل لصلاة القيام، أدعو الله فيها أن ييسر لي أمري، ويفرج كربي، ويوسع لي في رزقي، ويعينني على تحمل ما أنا في مواجهته من التزامات مادية ترهقني.. وشعرت وقتها أن الله يستجيب لدعائي؛ فقد حققت خلال هذه الفترة ما أغناني عن سؤال أقرب الناس إليّ، وتمكنت من إتمام زواجي.. وحمدت الله كثيرا على نعمه وفضله".
مهم.. ولكن!!
قد لا تكون القصص الواردة هنا غريبة؛ فكل إنسان قد مر بأزمة في حياته.. شعر أن فيها نهايته، لكن الله قد لطف به، وأسبغ عليه نعمه استجابة لدعائه المخلص، لكن ما أثار جدلا هو الحديث عن جدوى الدعاء بالنسبة للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها العديد من الدول حاليا.. والمكانة المتأخرة التي احتلتها الدول العربية والإسلامية على مستوى العالم اقتصاديا.
وفي هذا يوضح الأستاذ الدكتور حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: "الدعاء بلا شك مهم، ولكن الأهم ألا يكون الاعتماد عليه فقط، فلا بد أن يقترن بعمل؛ فليس من المعقول أن نركن إلى الكسل؛ بدعوى أننا ندعو الله أن ييسر لنا سبل الرزق؛ فالإخلاص في الدعاء يجدي، لكن شريطة أن يصاحبه إخلاص في العمل، وسعي في طلب الرزق، وضرب الأرض؛ هذا ما دام العدل يتوفر بين الناس، والرقابة على الأسواق، والالتزام بالمعاملات الإسلامية؛ ليبارك الله في الرزق، ويتقبل من عباده الدعاء. فمن المعروف أن المعاصي تحبط العمل، وتسبب غضب الله فلا يتقبل الدعاء، وتظل سببا فيما نعاني منه من أزمات اقتصادية.
الدعاء مخ العبادة
وفي السياق نفسه أكد علماء الدين على فضل الدعاء، ومكانته لدى المسلم، سواء من ناحية أنه عبادة في حد ذاته، أو كونه معينا للإنسان في أزماته؛ فيبين الداعية الإسلامي الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية واللغوية بجامعة قناة السويس بمصر أن الدعاء يجدي في كل الأزمات، ولكن بشرط الاجتهاد وإزالة موانع الاستجابة؛ فأكبر المعاصي هي الكسل وعدم الاهتمام بالعمل أو الدقة في أدائه. فلا يقبل الله الدعاء ممن يدعو الله أن يفرج عنه ويرزقه بالمال والزوجة الصالحة والسيارة والوظيفة وهو جالس في مكانه.. لأن الشخص لديه خلل في التفكير.. إذ يأخذ بهذه الطريقة موقفا ضد نفسه وضد التفكير.
ويؤكد د.داود على أهمية الدعاء؛ لأن الأمل والمساندة المعنوية التي يمنحها للعبد هما سر الحياة.. أن تأخذ الله معك في كل حال.. حتى لو انقطع حذاؤك فلا تستح أن تطلب من الله أن ييسر لك من يصلحه، وأن يوفر لك ثمن إصلاحه؛ فالله يحب أن يتقرب إليه عبده بالدعاء.
ويشير المفكر الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين -أستاذ اللغويات بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة- إلى أن الدعاء لا يفيد إلا مع الإخلاص في العمل والصدق في المعاملة والبعد عن المعاصي.. وإلا فما قيمة الدعاء من نفوس ملوثة بالذنوب؟ فمن غير شك أن كثرة المعاصي هي سبب في الإفلاس الذي تعاني منه البلاد، ولا بد لنا أن نرجع إلى الله، وأن نتلمس الرضا بطاعته.. فلله الأمر من قبل ومن بعد.
فهلا كان سبيلنا دعــــوة خالصة وعمـــلا صالحا في سبيل راحة الدنيا والدين