الهجاء
كان الهجاء شائعاً بين الأعداء والأضداد من الناس وبين الشعراء
وبعضهم البعض حيث يذكرون مساوئ بعض ومحاسن أنفسهم
ومن ابلغ شعراء الهجاء جرير والفرزدق والطرماح بن الحكيم
الذي قال أقذع ما قيل في الهجاء يوما وجهه إلى تميم الجزيرة.
أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى
خلال المخازي عن تميم تجلت
أقرت تميم لابن دحمـة حكمه
و كانت إذا سيمت هوانا أقرت
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
فان سلكت سبل المكارم ضلت
فلو أن برغوثا على ظهر قملة
يشد على جموع تميم لوت
و لو أن عصفورا يمد جناحه
لجاءت تميم تحته واستظلت
المديح
كان المديح للحكام والكبار والأعيان وكان
يمنح الشاعر من المال على قدر جودة شعره واعجاب الممدوح به.
ومن أشهر ما قيل في المدح قول الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني.
فإنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
عرف الشاعر الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب،
وكان للغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز
الشعراء على مديح أمرائهم.
ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية:النابغة الذبياني الذي اشتهر
بمدح النعمان بن المنذر.
وكما يقول أبو عمرو بن العلاء:
((وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه.))
وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم
ورجاحة العقل ورفعة النسب،
وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه،
كما كان يتخذ من المدح المبالغ فيه ـ ب
استثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ
حافزًا للممدوح على المزيد من العطاء.
وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق ا
لطريق وما أصاب ناقته من الجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه.
وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح،
هو مدح النبي محمد. ومن أوضح نماذجه لاميّة كعب بن زهير
"بانت سعاد" التي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه،
وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى.
كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي محمد أيضًا.
وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق،
بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية.
وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية،
بعضها يمالئ الأمويين، وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة،
وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينما تجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهب ومحاربة خصومه،
كما نجد في مديح عبيدالله بن قيس الرقيات
لمصعب بن الزُّبير الذي يجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم.
وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح،
تتمثّل في مدائح المتنبي لسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق،
وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلم أبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم.
ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحم رائعة.
وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا.
(السيف أصدق إنباء من الكتب)
وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي ـ
وإن يكن للتكسب ـ لم يكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير من الأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح،
وهذا مايتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه.
فقد كان المتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي
الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ما كان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه
الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته.
مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك،
وبخاصة، بطولات هؤلاء الرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول.
يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة،
إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًا لذوي السلطان
وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي
الاعتذار
وزعيمه المنشئ لأساسه هو النابغة الذبياني،
وقد أثارته ظروف الشاعر مع الملك النعمان بن المنذر.
الغزل
كان شعر الغزل مقبولاً ومحبوباً إلا أن التشبيب -
أي ذكر اسم المحبوبة- كان غير مقبول. حيث كان الشاعر القديم يتغنى بمحاسن محبوبته شكلاً وموضوعا ويذكر لوعته وشوقه إليها.
ومن أجمل ما قيل فيه قول ابن عبدربه الأندلسي :
يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا
و رشا بتعذيب القلوب رفيقا
ما قد سمعت ولارأيت بمثله
در يعود من الحياء عقيقا
و إذا نظرت إلى محاسن وجهه
أدركت وجهك في سناه غريقا
يا من توجع خصره من رقة
ما بال قلبك لا يعود رقيقا
الفخر
عادة أصيلة من عادات العرب وهو الفخر بالأنساب
والأحساب والأصل والمنبت، رغم أنها محرمة دينياً,
ومن أجمل أبيات الفخرالعربي بيت بشار بن برد الذي يفخر فيه بمضر مع أنه من المولدين :
إذا ما غضبنا يوما غضبة مضرية
هتكنا حجاب الشمس أو أمطرت دما
إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة
ذرى منبر صلى علينا وسلما