{ .... إن بعض الظن إثم .... }
يقول الله تعالى في سورة الحجرات { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } وقد فسر ابن كثير هذه الآية :" يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخوّن للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا ... فليتجنب كثير منه احتياطا ".
قال النسفي:" والمأمور باجتنباه بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة".فكم هي الآثام التي نقع فيها يوميا بسبب الظنون السيئة فالتسرع في الحكم من الشيطان والله تعالى يقول { يريد الشطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء} وقلما نجد من يتحرى الحقيقة أو يناقش غيره في أمر التبس عليه قبل إصدار الحكم أو يلتمس الأعذار لغيره في أي ظرف من الظروف وقد تكون عاقبة ذلك الندم الشديد بسبب حماقة التعجل والتسرع لما يحمله سوء الظن وسوء الفهم من ظلم للآخرين كما ذكرنا.
فلو وضع أحدنا نفسه مكان الشخص الذي أساء فهم قوله أو تصرفه وتصور نفسه أنه قال ذاك القول أو تصرف ذاك التصرف فإنه بالتأكيد سيحاول أن يجد التبريرات لأقواله والأعذار لأفعاله وأنها كانت أفعالا وأقوالا بريئة وعابرة ولا تحمل السوء لأحد، فإذا كنا قادرين على خلق الأعذار والتفسيرات لأنفسنا ، فلم نعجز عن إيجادها للآخرين ، وإذا كان يؤلمنا ويحزننا أن يسيء الغير فهمنا ، فلم نتسبب في حزن وآلام الآخرين بإساءة الظن بهم وسوء فهم. وعلى فرض أن الشخص قد أخطأ التصرف أو القول ، فمن قال بأن هذا الشخص من صنف الملائكة الذين لا يخطئون، فربما قال شيئا عن جهالة أو ربما تصرف تصرفا وهو في حالة انفعال أو عصبية فالأولى تصويب هذا الشخص وتصحيح مساره بدل الغمز واللمز وإساءة الظن.
سوء الفهم قد ينتج عن سوء الاستماع
فحتى نفهم الأمور جيدا فلا بد أن نكون مستمعين بصورة جيدة ، وفي القرآن الكريم هناك آيات كثيرة قدمت السمع على البصر وعلى العلم كقوله تعالى { إن الله كان سميعا عليما } { والله سميع عليم} { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} فالطالب حتى يفهم المادة المطروحة جيدا يجب أن يكون مستمعا جيدا وحتى نفهم أبناءنا جيدا فنحن بحاجة للاستماع لهم ، فكم نسمع من عبارات يطلقها مراهقون أو مراهقات وحتى من الكبار كقولهم : لا أحد يفهمني ، لا أحد يستمع لي ، لا أجد من يصغي لكلامي وغيرها من العبارات التي تدل على أن سوء الفهم غالبا ما يكون سببه فقدان مهارة الاستماع، وهذا الأمر يتجلى بوضوح في حياتنا اليومية من خلال الحوارات العامة منها والخاصة والتي قد نجريها فيما بيننا لنجد أن كل واحد منا يريد أن يتحدث ولكنه في ذات الوقت لا يريد أن يستمع فكيف نفهم بعضنا بعضا بهذا الأسلوب.؟!
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة
روى الطبراني في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص :" وكان يقبل بوجهه وحديثه عليّ حتى ظننت أني خير القوم". أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجه بوجهه وجسمه إليه حين الحديث معه الأمر الذي أثلج صدره وأراح نفسيته وأشعره بقيمته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظن أنه خير الناس ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه من شدة إنصاته لمن يستمع له لم يكن ليقاطعه أبدا حتى النهاية ، بل كان إذا همَّ بالرد عليه قال له :" هل انتهيت من كلامك؟". وبعدها يرد عليه.
فالاستماع للآخرين فن ومهارة ، وليس ذلك فحسب بل هو من الأخلاقيات السامية التي يجب أن نتخلق بها وهو ضرورة ملحة من أجل التآلف والتحابب.
وهناك أمر مهم تجدر الإشارة إليه وهو أننا بعد استماعنا لشخص ما وقبل أن نفسر كلامه من وجهة نظرنا أو حسبما يمليه تصورنا الذي ربما يكون تصورا خاطئا أو وجهة نظر غير صائبة، فلماذا لا نستفهم من هذا الشخص عن مقصده كأن نقول له إنك قلت كذا وكذا ونحن فهمنا كلامك كذا وكذا ، فهل فهمنا في محله أو هل تقصد الذي فهمناه؟
إننا بهذه الطريقة نجنب أنفسنا الكثير من الفهم الخاطىء ونجنب من نستمع إليه الكثير من سوء الظن والإتهامات التي ينسجها خيالنا من خيوط الأوهام وبالتالي نبعد عن أنفسنا شبح الخلافات وسوء التفاهم.