متى يشيب القاف ؟ !!!
يقول حبيـّب العازمي : ـ
يا بادعين القوافي كل قافٍ يشيب *** لا تبدعون القوافي قبل تعريفها !
ماذا كان يقصد ( العازمي ) بالشطر الثاني من بيته ؟ وهل فعلاً أنّ كل قافٍ لابد أن ينتهي ؟ ومتى يجب أن نقول أن القاف قد شاب ؟
دعوني قبل أن أجيب على هذه التساؤلات أفسّـر للقارئ الكريم ما المقصود بقولنا (( شاب القاف )) ؟ (( القاف )) في عُرف المحاورة هو قصيدة ينشؤها شاعران ، ذات وزن ولحن وقافية معينة يتناقشان فيها حول موضوعٍ معين يسمى ( المعنى )
ويكون طرح الأبيات بالتناوب بين الشاعرين ، حيث يلقي كلٌ منهما بيتين ثم يلقي الآخر وهكذا .. ويسمّى أيضا ( المحراف ) أو ( الطاروق ) أما معنى ( شاب ) أي انتهى . فعندما نقول : ( شاب القاف ) نعني ( انتهت القصيدة ) .
نعود إلى بيت ( العازمي ) السابق لنجده يقول : أيها الشعراء كل قصيدة لابد أن تنتهي ، فلا تنظموا قصيدة قبل تعريفها !
وهنا نجد أنفسنا أيضاً في حاجة لمن يبين لنا المقصود بقوله : ( تعريفها ) ! وهذا ما سأبينه في نهاية هذا المقال .
ولكن متى نقول عن القاف أنه شاب ؟ يرى الكثيرون أن القاف يشيب في الأحوال التالية : ـ
1 ـ إذا توصل الشاعران إلى نتيجةٍ مرضية حول المعنى الذي يتناقشان حوله . بمعنى أن كلاً منهما أدلى بدلوه في هذا الموضوع ولم يعد هنالك حاجةٌ لمزيد كلام فيه . فـ ( الرياحي ) ختم إحدى محاوراته حينما رأى أن الكلام حول المعنى لم يعد يفيد بقوله : ـ
انتهت بيننا بالطيب والبال طايب *** المطوع على السنه يسامح خويّه
2 ـ إذا كانت القافية التي تختم بها أبيات القصيدة قافيةً شحيحةً بالمفردات ، أي أنها قافية يصعب على غير المتمرسين في هذا الفن أن يستمر فيها ، وهذه القوافي كثيراً ما نرى كبار الشعراء يلجؤون إليها مع من هم أقل منهم خبرة ، كنوع من التحدي وإثبات الذات وإظهار الثقافة الشعرية في أبهى صورها ، فإما أن تستمر معي في نظم أبيات المحاورة على هذه القافية وإلا فالجلوس خير لك . فمحاورة تنتهي بقافية ( ـــاص ) لاشك أنها تشيب سريعا ً كتلك التي جرت بين الشاعرين
( رشيد الزلامي ) و ( سعود المطيري ) . يقول الزلامي : ـ
أنا ما اشتري وأبيع بأرباع وانصاص *** ولا آخذ على عميان الأريا وكاله
3 ـ إذا رأى الصفان أن وزن الأبيات لا يساعدهما على الاستمرار في ترديده ، لذلك نرى كثيراً من الشعراء يستأذن الصفين أحياناً عند الإتيان بوزن ولحنٍ جديدين ويكرر البيت عليهم مرة ومرتين ؛ حتى يتم إنشاده بالطريقة الصحيحة . ومعنى ذلك أن بعض المحاورات تنتهي حيث تبتدئ ، وتولد عجوزاً قبل أن تشب . فالشاعر ( عبد الله العير المطيري ) لم يجد الصفوف التي تستطيع إنشاد ما أراد في إحدى الحفلات فاضطر لتغيير البيت مباشرة ، في حين أرادهم أن يردّدوا قوله : ـ
خلّوني اجاذب الصوت وآغنّـي وآدلّه النفس والموت قافيها **
ما باقياً عندكم غير هالليلة .. خلوني اجاذب الصوت وآغنـّي !
وأنت تلحظ عزيزي القارئ طول وزن هذا البيت . فأين يجد الحناجر التي تردده سويا ً ؟ !
4 ـ إذا رأى الحاضرون أن أحد الشاعرين قد تجاوز حدود الأدب ، وأتى بكلمات نابية خارجة عن أدب المحاورة والنقاش ؛ لذلك تسمعهم يرددون ( شاب القاف ) .
5 ـ إذا قام في المحاورة من لا يجيدها ، أو كان شاعراً غير معروف لدى الجمهور في حين كان الجمهور ينتظر شاعراً آخر ليقوم بتغيير اللعب . فيشيب قاف هذا المسكين قبل أن يولد ، وكم وكم وكم شاب قاف بهذا السبب . !!
مما سبق نستطيع معرفة ما أراده ( العازمي ) من قوله : ( لا تبدعون القوافي قبل تعريفها ) فكأنه يقول : ـ أيها الشعراء أحسنوا اختيار القافية ذات النفس الطويل ، والمعنى ذي الكلام الكثير ، والوزن واللحن الجميل ، وابتعدوا عن الكلام البذيء
وأفسحوا المجال لكبار الشعراء وإلا شابت قوافيكم !!
ولكن ( العازمي ) نفسه قال مرة : ـ
بغى يزين اللعب مير القاف شاب *** ياللي نقضت الحبل عوّد وافتله
فأجابه ( صياف الحربي ) بقوله : ـ
ما هو بحق اتشيـّبه وهوَ شباب *** من لا عرف حمل الجمل ما حمّـله
فهل شاب القاف فعلاًُ؟ أم أنها حيلة من ( العازمي ) لتفادي موقفٍ ما ؟ خاصة وأن ( العازمي ) صرّح أنه يخشى ( الحربي) كلما طالت المحاورة ؛ لأن طولها يزيد ( الحربي ) قوة وطول نفس
منقول عن جريدة المدينه