ممكن طبعا أكلمكم عن علاقتي بسيف الدولة الحمداني ؟ لأن هذه العلاقة أثرت في كثيرا .
ظللت باحثاً عن أرضي وفارسي غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حطت رحالي في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 ه، وعن طريقه اتصلت بسيف الدولة بن حمدان، صاحب حلب، سنة 337 ه، انتقلت معه إلى حلب فمدحته وحظية عنده. في مجلس هذا الأمير وجد أفقه وسمع صوته، وأحسست بأنني عثرت على نموذج الفروسية الذي كنت أبحث عنه، وسيكون مساعدى على تحقيق ما كنت أطمح إليه، فاندفعت مع سيف الدولة أشاركه في انتصاراته. ففي هذه الانتصارات أروع ملاحمه الشعرية، استطاعت أن ارسم هذه الحقبة من الزمن وما كان يدور فيها من حرب أو سلم، فانشغلت انشغالاً عن كل ما يدور حولى من حسد وكيد، ولم أنظر إلا إلى صديقى وشريكى سيف الدولة. فلا حجاب ولا واسطة بينا. فشعر سيف الدولة بهذا الاندفاع المخلص من ناحيتى ، واحتمل منى ما لا يحتمل من غيرى من الشعراء، وكان هذا كبيراً على حاشية الأمير. ازدادت اندفاعاً وكبرياء واستطاعت في حضرة سيف الدولة أن التقط أنفاسى، وظنت أنه وصلت إلى شاطئ الأخضر، وعاشت مكرماً مميزاً عن غيرى من الشعراء. وانا لا ارى إلا أننى نالت بعض حقى ، ومن حولى يظن أننى حصلت على أكثر من حقى. وظللت أحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا أستطيع انا نفسى أن أتصور حدوده، إلى أننى مطمئن إلى إمارة عربية أعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركنى طموحى وإحساسى. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منى أن القي بشعرى قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتملت أيضاً هذا التمجيد لنفسى وأضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم ارفعها عليه. ولربما احتملت على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.
خيبة الأمل وجرح الكبرياء:
وهذا ما كان يغري حسادى بى فيستغلونه ليوغروا صدر سيف الدولة علي حتى أصابوا بعض النجاح. وأحسست بأن صديقى بدأ يتغير علي، وكانت الهمسات تنقل إلي عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بينى وصديقى الأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل مننا. وأحسست بأن السقف الذي أظله أخذ يتصدع، وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منى حتى بدأت أشعر بأن فردوسى الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابتنى خيبة الأمل لاعتداء ابن خالوية عليه بحضور سيف الدولة ولم يثأر لى الأمير، وأحسست بجرح لكرامتى، لم استطع أن اتحمل، فعزمت على مغادرته، ولم استطع أن اجرح كبريائى بتراجعى، وإنما أرادت أن امضي بعزمى. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 ه ومنها: لا تطلبن كريماً بعد رؤيته. فارقت سيف الدولة وانا غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حسادى ومنافسى من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعلونى احس بأن هوة بينى وبين صديقى يملؤها الحسد والكيد، وجعلونى اشعر بأنى لو أقامت هنا فلربما اتعرض للموت أو تعرضت كبريائى للضيم. فغادرت حلباً، وانا اكن لأميرها الحب، لذا كنت قد عاتبته وبقيت اذكره بالعتاب، ولم يقف منى موقف الساخط المعادي، وبقيت الصلة بينى وبينه بالرسائل التي تبادلاها حين عدت إلى الكوفة من مصر حتى كادت الصلة تعود بيننا .