يا خصلة من شعرها سافرت
إلى احضان كفي ليلٌ طويلُ
إني تعبت من الترحال سيدتي
وحياتي كتابٌ عنوانه مجهولُ
يا شعرك الجذابَ...
أسودٌ على ذراعي...
تضيع فيه أصابعي وأبكي عليه
مرارةً...إني بحبه مبتلٍ معلولُ
لا تسرحيه واتركيه كما هو
متناغما مع النسمات مرهفاً
وفي يدي...الخصلات تصول تجولُ
... ... ...
سيدتي اني متعبٌ...
إني مرهقٌ ضائعْ
ودفاتري الثكلاء جلُّ كرامتي
فإن أحرقتها فما أنا صانعْ؟
سيدتي...
لا بلاد تؤويني...ولا أرض تقبلني
ولا وطنٌ يحملني...ولا بيتٌ أقول له
"إني لراجع"
فخذيني طفلاً لقيطاً
أو طوق وردٍ ضائعْ
وأطعميني من حنانك إنني
للحنان لجائعْ
... ... ...
الخصلة السوداءْ..تأكل إصبعي
وفي بحر شَعركِ كفي قاربْ...
وأرى شواطئ تونس في عينيكِ
وأرى بكفكِ نقشا أندلسياً
على درع محاربْ...
وتلوح فوق جبينك رايات أُميةَ
وتفوح من وجنتيك روائح بساتين الشام
وشفاهك رسمٌ من كنائس بيت لحمٍ
وكفيكِ شهدٌ من رحيق سراقبْ...
لا تسألي عن كل تلك المدنْ
فذاك وطنٌ كان يسمى "بلاد عارب"
وطنٌ حزينٌ لم يبق فيه شيخٌ ولم يبق راهبْ
وطنٌ مثلي...ممزقٌ...محطمٌ...خائبْ
... ... ...
شَعركِ سيدتي يشبه كثيرا حياتي
وكلما ازداد سواد الخصلةِ ازددتُ
يقينا بأني أعيش حالةً من الهذيان
الوطني والشعري...
وأني أعيش أجمل وأسوأ حالاتي.
وكلما اقتربت أناملي من شفتيكِ
وحدتُ الله وأيقنتُ تماما أنك
آخر وأول وأجمل وأقبح أمنياتي
حالات التناقض والازدواجية التي أعيشها
تشبه كثيرا تناقض شعركِ
وازدواجية بياض ذراعيكِ..
وأستحي من القول سيدتي
أني عندما رأيتك نسفت كل معتقداتي.
... ... ...
الآن يا مُهْراقتي لم يعد يهمني أمر الوطنْ
ولم يعد يعنيني صراخ الثكالى...
لأني مللتُ من البكاء والصراخ والنحيب
على ذاك "الوطن"
وأيقنتُ أنكِ الوطن الأخيرُ...والوطن الأولْ
ولم أعد أرى فائدةً من الدمعِ...إلا بكاءً عليكِ
وبصراحةٍ أكثر...من يوم مسكت شعركِ المترنحَ
أحرقت دفاتري بيدي...وأحرقت هويتي العربية
وهويتي الشعرية...
وأتيت لاجئا إليكِ...بلا هوية
وبلا إحساسٍ...وبلا وطن.