ذيب .. خلاص أنا قررت اني ماعاد اتكلم عن الرافضة .. ياخي حرام نغتابهم قبحهم الله
______________________________ ______
قبل التمهيد
هذه ورقة قديمة وانموذج فاضح لبداياتي السردية أو النثرية انقلها لكم كما هي من الجهاز إلى الفطاحلة ( سبق لي نشرها في أحد المواقع ) وهي أحداث واقعية عايشتها قبل سنين !! ومن عادتي - حفظني الله - انني أدون مشاهداتي في بلاد الغربة على أي شيء يقع تحت يدي ( ورقة / منيدل / كرتون / فنيلة بيضا ) يعني : نوع من أدب الرحلات
تمهيد
الأسماء في هذه الحكاية مشفرة فعلى سبيل المثال اسم صديقي في هذه القصة بعد التشفير ( جلجل ) و أنا ( شرشر ) من الشريف الشرقي .. وقس على ذلك

مع ملاحظة ان الكلام المعصفر ( المطلي باللون الأصفر) هو حديث نفس ! كقولي : ( أنت أصيل ياجلجل ) !
قبل البداية
اتصلت بصديقي العزيز(جلجل ) الرجل الثاني لهذه الأحداث الجسام(باعتباري الرجل الأول)أستأذنه بنشر تفاصيل رحلتي الميمونة..!فرفض بشده !! وبعد إلحاح شديد وافق بشرط عدم ذكر الاسماء ..بل تمادى في غيه وطلب عدم ذكر اسم البد الذي دارت فيه الأحداث! فوافقته على مضض.. والله المستعان !!
البداية
لامست عجلات الطائرة مدرج المطار الدولي للعاصمة العربية الكبيرة حاملةً ضيفها الكبير ..لم تستغرق الرحلة وقتا طويلاً قياساً برحلات ما وراء البحار..(أمهات سبع وثمان ساعات)..
ايييييييييييييييييييه.. وأخيراً سأقابل صديق الطفولة والكهولة ..!! ألح علي كثيراً لأقضي هذه الاجازة في ضيافته الكريمة وما ان وطأت قدماي صالة المطار حتى اكتشفت إلى أي مدى يحتفي هذا البلد بضيوفه..لقد كان في استقبالنا كبار المسؤلين لدرجة أن الضابط الذي ختم على جوازي يحمل على كتفيه نجوما بعدد نجوم درب التبانة

ثم سلم الجواز لضابط آخر رأيت على كتفيه العجب (نجوم ومقص خياطه وطائر يبدو انه غراب) تفحص الجواز على عجل ثم نظر إلى "القلم الذي في جيبي " وقال مبتسماً:
-الحمد الله على السلامة يا باشا !!
حملت حقيبتي متوجهاً خارج صالة المطار وإذ بشخص يعترض طريقي فاتحا ذراعيه..فاغرا فاه إلى أقصى مدى
...يا الله !! نعم هذا هو صديقي العزيز جلجل !
(انت تخنت .. يا جلجل)
أخذنا بعضنا بالأحضان(وقد يجمع الله الشتيتين) أطال صديقي العناق دون أن ينبس ببنت شفه .. وبعد محاولات مضنيه للتخلص من قبضته الحديدية رأيت وجهه مرة أخرى وعرفت لماذا لم يتكلم!! لقد كانت عيناه تذرفان الدمع
(انت أصيل .. ياجلجل)
استعرضت في ذهني جميع المواقف المحزنة من فاة جدي - غفر الله له -حتى سقوط بغداد - غفر الله لأهل الفلوجة - لأرد على دمعوعه "بدمعتين حلوين"..لكن ماطلع شي
حمل حقيبتي بيد ووضع اليد الأخرى على كتفي..!!
(دي رجل طالع لها إيد يا جلجل
)
وانطلقنا نشق الزحام..وبدأت أنا أمارس هوايتي بطرح الأسئلة بينما ظل جلجل صامتا مطأطأ الرأس "من زود الغلا"
توقف صديقي فجأة.. وتكلم لأول مره: بابا..شَرشَر وصل!( شرشر اللي هو أنا

)
وجايب بابا للمطار ..؟!
(ملكش حق .. يا جلجل)
صافحت الطبيب المرموق (أبو جلجل) وبعد السؤال عن الأحوال توجهنا للسيارة...وجلست أنا في المقعد الأمامي
وجلجل في المقعد الخلفي كعادته من أيام الثانوية.(دايم ورا) بينما تولى أبوجلجل دفة القيادة .. وما ان أخذت وضعي على المقعد حتى توجهت للدكتور بهذا السئوال العبقري:
-لقد لا حظت قبل هبوط الطائرة وجود هاله تغلف المدينة ....إيش هذا يا دكتور ..ضباب..؟
-ههههههههه.. دا هباب يابني !! احنا عايشين في واحده من أكثر مدن العالم تلوثاً !!
-بس أكيد الدولة لها جهود للحد من ازدياد معدلات التلوث؟
-يا بني دي مش مشكله .. على الأقل الهالة اللى انت بتتكلم عنها ليها فايده.. دي بتمنع بعض الاشعه المسرطنه ..المشكله يابني في التلوث الفكري اللي احنا عيشينه !!
واسترسل الدكتور في حديثه محاولا اقناعي بأن التلوث الفكري العربي اشد خطرا على البشرية من التلوث الإشعاعي..!!
وصلنا إلى منزل صديقي بعد مشوارمتعب مليئ با الضوضاء "والعربيات" والبشر وصدق شاعرهم حين قال :
زحمه يادنيا زحمه..
كان المنزل عبارة عن فيلا جميله و"محندقه"..تقع في حي .."عادي " ؟..وفي مقدمتها حديقة صغيره ..توقفت قليلا في الحديقة !! كنت ابحث عن شيء طالما حدثني صديقي عنه حينما كان يعيش هو وأهله عندنا في "الدمدم" ( حلوة الدمدم ... تشفير الدمام

)
كثيراً ما قال لي: وعندنا في مدخل الفيلا "حتة دين مسبح" !!
(فين البيسين..........ياجلجل
)
نظر إلى صديقي نظرة استعطاف ولسان حاله يقول .."عدي دي"..ودفعني إلى داخل الفيلا ..وما ان دخلت حتى صدمت بتلك الرائحة التي اعرفها جيداً
(نفس ريحة شقتكم اللي في الدمدم.يا جلجل
)
من بعيد وقفت السيدة الفاضلة "أم جلجل"متوشحة السواد لا تكاد ترى منها إلا جزءا يسيرا من بؤبؤ العين !
(مامتك ست عظيمة يا جلجل)
رحبت بصون هادئ:
-الحمد لله على السلامة !
- الله يسلمك !!
- والله وكبرت يا شرشر وبقيت راجل..!
(اووووووووه ..وليه الاحراج ده يا أم جلجل بس مقيوله : من عرفك صغير حقرك كبير)
-وش نسوي هذي الدنيا !!
-ومامتك عامله إيه ؟
(يمه صارت مامتي..مين قدك يا ام شرشر
)
- بخير وتسلم عليكم !
طلبت من صديقي ان ارتاح قليلا..قادني إلى غرفته
- غير ملابسك وارتاح شويه..عشان تتعشى !
آآآآآآآآه..لقد كنت مرهقاً.!! ليس من الطائره...بل من مشوار السيارة

لا زالت اصوات "الكلكسات" تملأ رأسي
تمددت على السرير ..ولم اشعر إلا بيد غليظه تهز كتفي :
-اصحى يا شرشر!
-طيب طيب .. هاه العشا جاهز ؟
-عشا إيه الله يكسفك..قوم صلي الفجر !!
بكل صراحة يا جلجل لم أكن أتصور انكم تصلون الفجر ..اقصد في وقتها ..كنت أظن.."الله يلعنك يا إبليس"
(المهم..جزاك الله ألف خير .......يا جلجل)
في الصباح الباكر ناولني جلجل ورقة :
-ايش هذا ياجلجل ؟
-دا البرنامج بتاعك...اسمع :
1 – زيارة متحف....... !
2- جوله في حي الـ.....التاريخي
3- التوجه لقلعة.....!!
4- زيارة الجامع الا...!
- بس بس...حرام عليك ياشيخ!! هذي رحلة مدرسيه..يا أخي انا جاي اشوف معالم البلد.. معاااااالم(مع تحريك الحاجبين من اسفل إلي اعلى)
- ماهي دي معالم البلد..؟؟؟؟
توجهنا رغم انفي الى ابرز معلم سياحي في العالم ( حسب رأي جلجل ) !
وإذ بنا أمام حجارة قد صفت بشكل هرمي..(والله مافيها من الجمال "نتفه"....حسب رأيي

) !!
-هاه إيه رأيك..؟
-رأيي في ايش..ليست سوى حجارة ..قُصت ثم رُصت..!!
-قُصت سم رُصت

يابني دي حيرت خبراء الاثار في العالم !!
-ولو ...الظاهر انك ماشفت "الفيصلية"
شرع البشمهندس جلجل بشرح التفاصيل الهندسية بكل حماس ..بينما اتجهت عيناي - من تحت النظارة الشمسية - لسائحة اجنبيه .."حاجه مش ممكن "
لازال جلجل يشرح....
-بص واخد بالك من الانسياب والتناسق..؟
-باصص..وواخد بالي أوي
(انت على نياتك ..يا جلجل)
في اليوم التالي لاحظ صديقي عدم ارتياحي..أكره الضوضاء والزحمةوهذه المدينة خاليه من كل شيء عداهما..!
قررنا (والضمير يعود لجلجل)التوجه للريف لقضاء يوم أو يومين عند عمه صاحب "الأطيان والعزب "....
وبدأت المأساة الحقيقة
وصلنا إلى منزل عمه والذي يقع في منطقة ريفية جميلة نوعاً ما بعد مشوار لا بأس به ..والحق ان استقباله لنا كان رائعا..فقد هش وبش و " دبح كبش " تناولنا العشاء بحضور أعيان البلد..!!
(عمك واصل ..يا جلجل)
صحوت باكراً لأستكشف المنطقة ! لقد كان منزلا كبيرا من الطراز القديم أضيفت إليه بعض الغرف الحديثة ليشكل نسيجا غير متجانس من الطين والإسمنت,تحيط به مزرعة واسعة ولعل ابرز مشاهدتي لذلك اليوم هو ذلك الثور المسكين الذي يدور مغمض العينين..
فكئنما هوميــــت =أحياة عيسى بعد عازر
أبصرت هيكل عظمـه= فذكرت سكان المقابر
قد كاد يهدمه النسـيم =وكاد تذروه الأعاصر
لقد كان هزيلا لدرجة ان عيناي لم تتمالك دمعها ..(كم تمنيت ان اذرف تلك الدموع في المطار رداً على دموع"جلجل"..ولكن منظر "الثور" كان اشد تأثيراً على نفسي المرهفة

)
كفكفت دموعي وعدت أدراجي ..لأجد "عم جلجل" في استقبالي خارج المنزل ..ودار هذا الحوار :
-إيه رأيك في المزرعة..؟
-بصراحة مزرعة نموذجيه..(ياقربها من مزرعة واحدٍ من الجماعه "بالحسا" تحوم الكبد )
أخذنا نتجاذب أطراف الحديث ..(وكأن الحديث .."شرشف")..تحدثنا كثيراً عن الزراعة ومشاكلها واُعجب (وليته لم يفعل) بمعلوماتي الزراعية (كنت قد قرأت وأنا في الطائرة- من باب اللقافة -تحقيقا مطولا عن الآفات الزراعية وطرق مكافحتها) وبينما نحن نتحدث ..إذ بطفل صغير يخرج من المنزل لا يتجاوز الرابعة من العمر أقبل مهرولا أشبه ما يكون بكرة سلة تمشي على قدمين

وصاح :
-بابا ..الفطار جاهز ..!
-تعال سلم على عمك شرشر !!
وقف أمامي رافعا رأسه وذراعيه إلى أعلى(يعني شلني) انحنيت ورفعته "يا مسهل" :
-اسمك إيه يا شاطر..؟
-علعل !!
-عاشت الأسامي يا سيد "علعل"...(اسم على مسمى)
ومن يومها نشأت بيننا صداقة من طرف واحد !!
كان افطارا ريفيا معتبرا ..بيض و طماطم وفطير وزبدة(وحاجه .."مش"..عارف بيكلوها إزاي)وبعد الشاي اقترح" جلجل ان نأخذ جولة حول البلد!! ولكن قبل أن ننطلق ..اقبل "علعل" ..يتدحرج وهو يقول:
- أوبا ياعمو شرشر أوبا (لقد كان يريد مني ان احمله ليذهب معنا)
قل ( لعلعول) أخينــــــا= يا ثقيل الثقـــــــلاء
أنت في الصيف سمــــوم= وجليد في الشتـــــاء
أنت في الأرض ثقيــــل= وثقيل في السمـــــاء
في المساء وبناءً على طلبي وضعت أسرتنا(أنا وجلجل)فوق كتلة خرسانية ليس لها شكل هندسي محدد ..تقع وسط المزرعة لنستمتع بالهواء الطلق ودار هذا النقاش الساخن :
-البلد هذي هاديه لدرجة الملل ياجلجل !
-انا مش فاهمك يا شرشر ..في المدينة بتقولي إزعاج وزحمة...وهنا هدوء لدرجة الملل..انت عاوز إيه ؟
-يا اخي هذا "تطرف"..اما سراجين ولا ظلما..انا احب "الوسطية"
-اسمع انا جاتني فكرة ..بكره إن شاء الله هنروح مدينة ساحلية..هي مش مدينة ..ومش قرية ..تقدر تقول منتجع سياحي ..وكل السواح اللي فيها اجانب ..يعني قمة "الوسطية"
-هو دا الكلام !!
(الله يرضى عليك ..ياجلجل)
ظللت مؤرقا تلك الليلة بسبب التفكير في ذلك المنتجع وما سوف نشاهد فيه من مناظر"خلابة" ..ومع ذلك فقد صحوت باكرا..ليس لأني قد اكتفيت من النوم!! بل بسبب الذباب ..نعم الذباب ! لم اشاهد في حياتي مثل ذلك الذباب كما ولا نوعا..!! لقد تجمع بكثافة لدرجة أني لم استطع ان أميز لون أطراف السرير المعدنية ..وتحت تأثير هذا المنظر الفتان جادت القريحة بهذه الأبيات:
تكاثرت الذباب على فراشــي= فلا يدري فراشي ما يَشِيلُ
ذباب كالنعاج مسومات = تقض مضاجع الرجل العليـل
( اكشكشها )فلا تأبه( لكشي ) =وازجرها فتصرخ:ياهبيـــل !!
بغير الأنف لا ترضى مكانــا = وانا يا ناس ( عرنوني ) طويــل
القصيدة طويلة ومن أراد ان يقرأها كاملة يجدها في كتاب (روائع من الأدب العربي)
توجهنا إلى المنزل ..وأثناء تناول وجبة الإفطار تنحنح جلجل..وقال مخاطبا عمه :
-إحنا عاوزين نستأذن حضرتك..!
-على فين العزم إن شاء الله..؟
- أصل شرشر إجازته قصيره..وعاوزين نقضي كم يوم ع البحر !!
-عيب الكلام ده يا جلجل ..دا البشمهندس/ شرشر لسه ماشفش البلد..بعدين دا خبير زراعي !! وإحنا عاوزين نستفيد من خبرته..!
-بس يا عمو..!!
-إسمع يا جلجل علي الطلاق بالتلاته محدش حيروح ! والبشمهندس / شرشر حيقضي اجازته معانا ومن المزرعة على المطار عدل..!!!
(حسبي الله عليك .......ياجلجل
)