المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبي


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17

إبتهال الجنوب
20-10-2010, 11:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

والدي مملكة قد خلعت عليها السماء من سمو سلطانها وعلياء رفعتها ما ملأ نفسي به زهوا .. واعتدت منه الشموخ والعزّة وما إلى ذلك من وجوه التأنق والبهاء
ولكنها كانت معشوقتي أمّي وركني الوديع ..
ويالها من ليلة ليلاء خلتُ الكون وقد سكن منصتا تضرعات أمي وقساوة أبي وهو يلبسها ثوب الخيانة القذر ويلقي بعفافها غير آبه لنزف دمعها العزيز ..
أمّي هالة من نور , أمّّي تتسمع طهر صوتها الرحيم الرخيم ملائكة السماء فتحف بيتنا رفرافة ..
وتسللت إلى فراشي لا عنا عطشي الذي أفاقني ورجع الصوت يحوم برأسي فيصيبه بدوار مفزع رهيب اسلمني لإغماءة من النوم .. وتلاحم ذاك وصوت أبي في الصباح موقظا أياي " صباح الخير أمجد روحي " فانتفضت من رقادي فما أعتدت سوى صوت أمي برجفة لن أنساها سائلا : أين أمّي ؟ فأجابني : "أن ظرفا صحيّا قد ألمّ بجدتك بعد منتصف ليل البارحة فارتحلتْ إليها" فأيقنت أن أمّي قد ضاعت .. وافترقنا وأنا في التاسعة من عمري وانقطع خبرها عني بعد أشهر قلائل وأصبتُ أنا بالخرس في السؤال عنها ..
وتلاحقت الأيام , وسافرت لأتمّ دراستي الجامعية التي قررها لي والدي بأمريكا لأكون طبيبا شهيرا على شاكلته
وما باعد بيني وهو السفر , فقد كانت بيننا أميال وهو يجاورني من الصمت القاتل منذ تلك الليلة , وإن لم يأت بامرأة عوضا عن أمي وظل حسيرا .
وطوتني أيام الغربة طيّا ما بين كتبي ودرسي , وباتتْ الأشواق بصدري أشواكا تجرحني .. أمّي أشتاقك أمّي ..
وهزم لوعة سكوني رنين هاتفي , وجاء صوت عمي ليخبرني " أحضر على عجل فوالدك في حومة الموت ينازعه " وارتحلت هلعا مسرعا دونما نصيب في اللقاء , وشيعت أبي إلى مثواه الأخير بصمتي الموجع القديم , وفي مساء ذاك اليوم , لا أذكرُ غير هي طرقات على باب غرفتي سبقتْ رصاصات أماتتْ وعيي وحسي " أمجد والدتك تنتظر بالصالون هي وزوجها وأختك لتعزيتك "
ولا أدري كيف بعدها أنا هنا بأمريكا عدت من حيث أتيت ..
ووجدتني أجهش على أبي بأحر البكاء , وأسكنته شغاف القلب لا عناً كل نساء الأرض .

* إبتهال الجنوب *