المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا هي خلقتْ


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48

إبتهال الجنوب
03-05-2009, 11:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



وتحت غيمات السماء تلاشت الظلال , وبدا الكون متوشحا غلالة رقراقة تسحر القلب لينثال منه النبض كعذف رخيم .
وتناغمت وتوافقت فتعانقت روحي وسحر أنفاس الطبيعة فما كان جسدي الكائن يخطو على حافة ضفة النيل إلا تابعا لشيئ منه هناك .. ! يلامسُ مياه النهر, يعرجُ في خيلاء ليعانق الفضاء و يهبط ُ يلثمُ ثغور الورود الباسمة و إنها تلك ومضات نورانية من السعادة ترسلها الروحُ لرفيقها الجسد , لغة يعيها وينتشي بها في حبور ..
ومضى الوقت .. وأغمضَ الكون عيونه , والتحفَ بظلام ليله الثقيل , فأقبلتْ روحي رفرافة وسكنتْ إلىِّ وادعة هانئة , وعُــدنا ..
وعلى صفحة وجهي ترتسم زهوة ثرية من ضياء ..
هكذا استشعرتُ ذاتي .. وتلهيتُ راجعا , إلي أن وجدتني على عتبات بيتي أناشد مفتاح مسكني كعادتي أن يفصح بالرنين عن موضعه و مكانه من جيوب سترتي .. هنا ببتي أشعر جبالا تسكن صدري وحنينا يغرق قلبي وصراعات تتملك روحي .. هنا أنا هو ( عبد الرحمن ) الذي تعرفه الأيام بعلاماتها , التي طبعتها عليه كوشم عتيد .
وكأن نور السعادة , هبّات ذكريات الماضي سرعان ما تطفئه ..
وترحلُ به إلي العدم .. وانسكبتْ أفكاري متناثرة , في غير هدى وتجاذبتني .. وخلخلَ صوتُ من الماضي مسامعي , وتضاربتْ الصورُ أمام عيني , وتحشرجتْ الحروف بحلقي .. واخترقَ صوتي السكون , وأحتلّ المكان : " سلوى أنتِ طالق طالق طالق ولترحلي عني " تردادها ينتصرُ لمشاعري , ولكنه لمَّا يزل يُبكي القلب .. بالله كيف أمحو الذكرى عني ؟! فقد سكنَ إليها قلبي , و لفظتها روحي بعنفوان .. هي بعثتْ صراع الفتنة في مجامع ذاتي بين روح تنكرها وقلب يعشقها , جعلتني سائحا غريبا شريدا في دخيلتي , روحي كانت تهتاج لقساوة أفعالها وتَهدُّج نبرات صوتها الذي كانت ترسله في جنبات البيت كهدير الأمواج الثائرة , وعذرا لكِ يا أمواج البحر ..
عرفتُ سلوى فتاة طموحة , تتفوق على أندادها تتحلى بأدب جم والتزام خلقي رفيع , ولا أنكر عليها جمالها فهو أول من أرشدني و أخذني إليها من بين الوجوه في مدرج الحرم الجامعي حيث أني أستاذها .. وما التمحتْ عيني وما كان لها أن ترى مبصرة صلابة قلبها , وصرامة حسها في كل حين وموضع دونما تفرقة ولا أدني تمييز , حتى أنها فاقت و تعالتْ على أكثر الرجال حدّة في ردود أفعالها , فذاب وذهب عن عيني جمالها حسيسا على قرابة العام من تاريخ زواجنا , وباتت روحي نافرة آبقة عن بيتنا الذي اصتنعت فيه زوجتي هيكلا حجريا أصما للحب .. لترضي قلبي وتسكته عن النحيب والبكاء .. رؤياه كانت تهصرني , فقد كانت عاجزة حبيبتي قاصرا قلبها عن الحنان و الحب
وهكذا هي خلقتْ .