المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ارادة الحياهـ...!


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11

روح الشعر
27-10-2011, 01:45 PM
ارادة الحياهـ


إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ=فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي=وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ=تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ=ِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَات=وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر



وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ=وفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَة=رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
ولَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ=وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ=يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ=وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ=وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر



وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ :=" أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ=وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ=وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ=وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ=وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم=لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
قَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ=مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ=مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر



سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ=وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاة=لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ=وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ=مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ=شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ=وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ =وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا=وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر
وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ=وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ=تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر
وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ=ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر
وَذِكْرَى فُصُول ٍ ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ=وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر
مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ=وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ=وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ=وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر



"ويًَمشيْ الزَّمانُ، فتنموْ صُروفٌ=وتذْوي صُروفٌ، وتحْيا أُخَر
وتُصبح ُ أحلامُها يَقْظةً،=مُوَشَّحةً بغُموضِ السَّحر
تُسائِلُ: أينَ ضَبابُ الصَّباحِ،=وَسِحْرُ المساءِ؟ وضوْئُ القَمر؟
وَأسْرابُ ذاكَ الفَراشِ الأنيقِ؟=ونَحْلٌ يُغَنيْ، وغَيمٌ يَمُرّ
وأينَ الأشِعَّةُ والكائِناتُ؟=وأينَ الحياةُ الَّتي أنْتظِر
ظمِئتُ إلى النُّور، فوقَ الغُصونِ!=ظمِئتُ إلى الظِلِّ تحْتَ الشَّجار!
ظَمِئتُ إلى النَّبْعِ، بَيْنَ المُروجِ=يُغَنّين ويّرْقُصُ فَوْقَ الزّهَر!
ظَمِئتُ إلى نَغَمَتِ الطُّيورِ،=وهَمسِ النَّسيم، ولَحْنِ المَطر!
ظَمِئتُ إلى الكونِ! أيْنَ الوُجودُ =وأنَّي أرَى العالَمَ المنتظر
هو الكَوْنُ، خَلْفَ سُباتِ الجُمود=وفي أثفُقِ اليَقَظاتِ الكُبَر"



وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ =حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر
فصدّعت الأرض من فوقـها=وأبصرت الكون عذب الصور
وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه=وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر
وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه=تعيد الشباب الذي قد غبـر
وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ =وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر
وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي=شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ=يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
إليك الفضاء ، إليك الضيـاء=إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيـد=إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول=بِحلو الثمار وغـض الزهـر
وناجي النسيم وناجي الغيـوم=وناجي النجوم وناجي القمـر
وناجـي الحيـاة وأشواقـها=وفتنـة هذا الوجـود الأغـر



وشف الدجى عن جمال عميقٍ=يشب الخيـال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ=يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء=وَضَاعَ البَخُورُ ، بَخُورُ الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ=بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ=في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ=لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ=فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ

(الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي)